ليبيا بين الرعب والبديل الضائع
د.حسام العتوم
06-07-2013 03:18 PM
مرة في الشهر أسمح لنفسي بشراء كتاب سياسي يجذبني إليه عنوانه ومضامين محتوياته، وفي هذه المرة وقعت عيني على كتاب لمؤلفه حسن صبرا بعنوان "نهاية جماهيرية الرعب" المكون من 367 صفحة، وما خطر ببالي وأنا جالس مساء في باحة فندق الرويال هنا بعمان ذات يوم سابق وأتصفح الكتاب هو ليس ما ورد فيه من حقائق مرعبة حول طريقة قيادة الرئيس الراحل معمر القذافي لوطنه ليبيا والذي هو جزء لا يتجزأ من وطننا العربي الكبير العزيز ولكن ماذا عن حاضر ليبيا الآن بعد مقتله؟ وهل كان العقيد القذافي قاتلاً فعلاً ومحباً للإسراف واللهو؟ ولماذا هي ليبيا حتى الساعة من دون رئيس بديل عن القذافي نفسه الذي حكم بلاده 42 عاماً دون أن يعرف العالم عن طريقته في الحكم إلا القليل وعن بناء شخصيته السايكولوجية أيضا؟ وإلى أين هي ذاهبة ليبيا وهل كان يجب أن يقتل وبطريقة بشعة؟ ألا يوجد جانب مضيء في شخصيته التي تراوحت بين الدهاء والسذاجة والمرح والغضب؟
يقول الكاتب حسن صبرا في كتابه نهاية جماهيرية الرعب ص 13 (لو أنك سألت أي ليبي مهموم بشؤون وشجون وطنه، متى بدأت الثورة ضد معمر القذافي، لما تردد في القول: إنها بدأت منذ 30 أو 40 سنة، هي عمر القهر الذي مارسه معمر علينا، وكنا يجب أن نثور لوقفه عند حده وقتها، وفي ص 34 يروي لنا الكاتب صبرا فضيحة محاولة اغتيال البكوش رئيس وزراء ليبيا السابق (عبد الحميد البكوش) بأمر من القذافي نفسه عندما كلف مجموعة مرتزقة من الألمان لاغتياله في مصر بعد لجوئه إليها، ولما أن الألمان أبلغوا الاستخبارات المصرية بالعملية المنوي تنفيذها مقابل 2 مليون دولار طلبت منهم الاستمرار بالعملية وتم تصوير البكوش الحي على أساس أنه قتل والدماء تسيل إلى جانبه واستلمت (المجموعة) المال المرسل إليها من القذافي في مالطا في وقت عقد فيه وزير الخارجية المصري آنذاك مؤتمراً صحفياً تحدث فيه عن حادثة العملية الوهمية بينما كان عبد الحميد البكوش يجلس إلى جانبه أمام شاشات التلفزة.
ويتحدث الكاتب في (ص 35) بمرارة عن قصة طرد القذافي لآلاف الفلسطينيين إلى الصحراء وتركهم هناك تحت وهج الشمس الحارقة بعد توقيع الشهيد ياسر عرفات اتفاقية أوسلو مع إسرائيل في 13/9/1993، وفي (ص55)، يسرد لنا الكاتب صبرا حادثة إسقاط طائرة البان أمريكا فوق لوكربي بأمر جديد من القذافي وعبد الله السنوسي بواسطة رجلي الاستخبارات الليبيين عبد الباسط المقرحي والأمين فهيمة التي انتهت بالإفراج عن الرجلين المنفذين للعملية بعد إرسال حقائب ملغومة إلى الطائرة وعودتهما إلى ليبيا مقابل دفع 2.7 مليار دولار بمعدل 10 ملايين دولار عن كل قتيل من ما مجموعه 270 ضحية.
رغم أن العقيد القذافي تظاهر في آخر أيام حكمه بعشقه للمجاهد ضد الاستعمار الإيطالي عمر المختار لكن كاتبنا صبرا هنا في ص (97، 98) يثبت لنا العكس تماماً حيث يكتب بأن العقيد نقل ضريح وميدان عمر المختار خارج بني غازي، وأقام لوالده ضريحاً في قبر الهانئ وهو الذي كان عسكرياً في جيش الاحتلال الإيطالي ووضعه على برنامج كبار زوار ليبيا، وأطلقت الأجهزة الإعلامية والأمنية على القذافي 38 اسماً لمداعبة غروره منها (إمام المسلمين) و(ملك الملوك) و(رسول الصحراء) و(عظيم الشأن) وتم تأليف أغنية بصوت مطرب ليبيا المعروف محمد حسن مما دفع بالشيخ المصري عبد الحميد كشك لمهاجمته والسخرية منه قائلاً: من أنت لا أبوك الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) ولا أنت نبي، وأفظع ما راهن عليه العقيد حسب الكاتب صبرا ص (163) هو إقناع رمز النضال والاستقلال الوطني في أفريقيا نيلسون مانديلا أن يبقى حاكماً في جنوب إفريقيا إلى الأبد، وهو الأمر الذي استنكره مانديلا وطبق الديمقراطية وتداول السلطة ففاز شابوامبيكي في جنوب أفريقيا في انتخابات حرة ونزيهة عام 1999، واحتفظ مانديلاً بلقبه المحبب زعيم الاستقلال ليكون نموذجاً للأجيال التالية.
إنها دولة عظمى بلا زعيم وهو زعيم بلا دولة، هكذا كتب كاتبنا صبرا ص (87) يقول في كتابه هذا، فكان معمر القذافي يظن نفسه كبيراً على ليبيا، وبعد مقتل القذافي الزعيم بقيت ليبيا بلا قائد حتى الساعة وهي منقسمة على نفسها، ومطالبة أمام المجتمع الدولي كي تتجه للمدنية وتبقي العهد الشمولي خلف الستار، والأمل معقود الآن على الإعلان الدستوري الصادر في الثالث من آب 2011 عن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت لمواصلة بناء الدولة، وهو الذي ينسجم مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2009 في مادته رقم (2) الصادر في 16 أيلول 2011 القاضي بإنشاء مؤقتة شاملة ممثلة للجميع في ليبيا والالتزام بالديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، وأشارت المادة 12 من القرار إلى أن دور الأمم المتحدة في ليبيا سوف يتمثل في استعادة الأمن والنظام، وإجراء حوار سياسي يضم الجميع، ويعزز المصالح الوطنية ووضع للدستور وللعملية الانتخابية، وفي المقابل فإن أبرز المخاوف المثارة اليوم هي المتعلقة بإمكانية حدوث عمليات انتقام تقود مثلاً إلى زعزعة الوحدة الوطنية، والمطلوب اليوم وليس غداً البدء في المصالحة الوطنية للمرور إلى مستقبل مستقر وآمن ليس لليبيا فقط ولكن لكل العرب الذي يواجهون ربيعاً انحرف عن مساره العروبي، وعن ثورته ضد الفساد والسير باتجاه مشروع سايكس بيكو الجديد الكوني والمتجدد، ولا مكان ولا مجال لمجموعات العنف العابرة والمتاجرة بالأحداث وبالسياسة وبالقضايا بقيادة تنظيم القاعدة الإرهابي هناك في ليبيا بحكم وعي الشعب الليبي ومحبته لوطنه ولبحثه الدائم عن أمنه واستقراره، وليبيا مرشحة اليوم لتتصدر دوراً صناعياً بتروكيماوياً وغازي موجه للتصدير والمنافسة بامتياز، وعموماً بإمكاننا القول بأن الناتج القومي الإجمالي الليبي هو في ازدياد طردي حيث وصل عام 2010 إلى 89.03 مليار دولار، وهي مرشحة لزيادة صادراتها إلى العالم واجتياح الأسواق العالمية، وتنتظر ليبيا إفراجاً عن أموالها المجمدة عالمياً والبالغة حوالي 150 مليار دولار، وسبق لأمريكا أن أفرجت عن 37 مليار دولار لصالح أعمال المجلس الوطني الانتقالي المؤقت، كما سمح الاتحاد الأوروبي 22 أيلول/ سبتمبر الماضي بتحرير الأصول الليبية المجمدة لتلبية الاحتياجات الإنسانية والمدنية للشعب الليبي.
للذين لا يعرفون إنجازات العقيد معمر القذافي ولمؤازريه نقول بأن هذا الرجل ولد في عام 1942 في قرية جهنم في سرت وحكم 42 عاماً (1969-2011) وكان بمثابة ملك في ثوب رئيس جمهورية وقائد ثورة، وسبق له أن انقلب عسكرياً على الملك إدريس الأول، وانتقل من القومية ومشاريع الوحدة العربية إلى الأفرقة، وهو متهم باختفاء الزعيم الشيعي موسى الصدر، وهنا تحفظ على مغامراته النسائية، وفي عام 1986 هاجمت أمريكا منزله الشخصي بعد اتهام ليبيا في تفجير وسط برلين، ومع هذا وذاك يعتبر النهر الصيني العظيم، أضخم مشروع لنقل المياه في العالم أسسه القذافي عام 1983 في مدينة جالو تمكن من نقل 6.5 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً للأغراض الزراعية والصناعية ومياه الشرب، وحمل سمعة دولية أشبه بسور الصين العظيم، والمشروع الثاني الذي أفشله القذافي بنفسه هو مشروع قنبلة ليبيا النووية الذي خطط له أن يتم عام 2005 وهو ما كشفته صحيفتي (صانداي تايمز) و(الواشنطن بوست) وهو مؤشر بالاتجاه الصحيح، لكن ترك الشاطئ الليبي وعلى طول 2000 كيلومتر دون إنتاج سياحي هو مؤشر سلبي طويل المدى تجاه الإنتاج الوطني بكل تأكيد، ويذكر بأن صادرات الأردن إلى ليبيا بلغت عام 2012 حوالي 67 مليون دولار (حبوب وهيدروكسيد الصوديوم والأدوية وغيرها) مقابل 6 مليون دولار فقط مستوردات أسماك والحديد الصلب وغيره ولم تقتنع ليبيا في عهده بدعم مشروع الديسي المائي الأردني الكبير، وفي الختام أتمنى للعلاقات بين بلدينا الأردن وليبيا وبين شعبينا العظيمين الازدهار، ولليبيا الاستقرار والنهوض، وللعرب الوحدة ثم الوحدة ثم الوحدة.