ليس صحيحا أن نهاية حكم الإسلاميين في مصر ستجعل الأردن في وضع مريح. ربما يكون ذلك على المدى القصير، لكن على المدى المتوسط سنكون أمام تحد أكبر فيما يتعلق بعملية الإصلاح.
لا شك في أن مؤسسات صنع القرار الأردني استفادت كثيرا من تعثر تجربة الإخوان المسلمين في مصر، وانكشاف قدراتهم في الإدارة والحكم، وفشلهم في تقديم نموذج ديمقراطي يرضي الأغلبية. ناتج هذه العملية كان خروج
الملايين إلى الشوارع، تطالب بتنحي الرئيس محمد مرسي؛ وهذا ما كان على يد الجيش.
في المحصلة، كان المنتصرون في ثورة 30 يونيو تيارا عريضا من القوى الشعبية والحزبية غير الإسلامية. ومن أوساط هذه التيارات ستتشكل الحكومة الانتقالية، ومن بينهم سيخرج رئيس جديد لمصر في الانتخابات المبكرة نهاية هذا العام.
"البعبع" الإخواني الذي كنا نخيف الناس منه خرج من المشهد إذن، فبماذا سنتحجج للاستمرار في عملية إصلاحية بطيئة ومتأرحجة؟
مصر، بكل ثقلها ومكانتها بين الدول العربية، وإذا ما سارت الأمور فيها على نحو طبيعي، ستخطو بعد أشهر نحو حكم ديمقراطي ليبرالي جاذب، لا يمكن مقاومته شعبيا بالمخاوف السابقة، وليس من بديل أمام دول عربية عديدة سوى مجاراته. وإلا، فإن الأنظمة ستصطدم بشعوبها، وقد لا تختلف نهايتها عن نهاية حكم مرسي في مصر.
ما حدث ويحدث في مصر يمنح الأردن فرصة تاريخية لإحداث الاختراق المطلوب في عملية الإصلاح، والشروع في إعداد أجندة جديدة للإصلاحات؛ تراعي المستجدات، وتتكيف مع المتغيرات.
ومثلما هي لحظة الأردن، نظاما ومؤسسات رسمية، فإنها أيضا لحظة الحركة الإسلامية والقوى الحليفة في المعارضة. ما جرى في مصر كان تمرينا حيا في الحكم بالنسبة للإسلاميين ينبغي الوقوف عنده، ومراجعة التجربة المُرّة، واستخلاص العبر من الفشل. إنها فرصة تاريخية للإخوان المسلمين في الأردن لا يجب تفويتها.
وأخشى من ردود فعلهم الأولية أنهم سيفوتونها للأسف؛ الخطاب الذي نسمعه من قادة الحركة انفعالي وعاطفي، لا يليق بحركة سياسية. ربما أنهم ما يزالون تحت وقع الصدمة، لكن عليهم أن يستفيقوا سريعا، ويشرعوا في تعلم الدروس.
لم تكن هناك مؤامرة صهيونية-أميركية على الإخوان في مصر؛ سفيرة الولايات المتحدة في القاهرة كانت توصف على نطاق واسع بأنها المساعد الأول لمرسي؛ كانت أكثر سفير أجنبي يلتقيها أسبوعيا. وسفير بريطانيا دعم مرسي أكثر من ديفيد كاميرون.
هناك دول عربية "خليجية" وقفت ضد حكم الإخوان؛ هذا صحيح. لكن دولا أخرى "خليجية" وإقليمية قدمت لمرسي دعما كبيرا.
حتى أولئك الذين ساندوه لم يستمع لنصائحهم؛ في اتصال هاتفي، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لمرسي: "لا تقضم أكثر مما تستطيع أن تهضم".
للإسلاميين في الأردن أن يرددوا ليل نهار أن ما جرى في مصر كان انقلابا عسكريا؛ ذلك لا يفيدهم بشيء، فقط سيكرس حالة الانقسام والشلل السياسي. في المقابل، فإن المراجعة النقدية الصارمة ستمنحهم مساحة هائلة للعمل والمناورة والضغط، من أجل المزيد من الإصلاحات، وستعطيهم الريادة على المستوى العربي.بيد أن نجاح الإسلاميين في تحدي أنفسهم لا يفيد بشيء إذا لم يقابله اعتراف من طرف الدولة بأن "البعبع" ما عاد موجودا، إلا إذا كان التغيير والإصلاح بنظر رجالاتها هو "البعبع".
الغد