أحياناً عليكَ ان تدفع ثمن المحبة.
يحبك بعض الناس، ثم يرفقون لك مع محبتهم شروطهم على شكل "خارطة طريق": عليكَ أن تكون مع فلان وتكره فلاناً وتؤمن بكذا وتكفر بكذا، ولا تقل هذا، ولا تفكر بقول ذلك، وعليك أن تؤيد هذا وتشتم ذلك، وأن تقرأ لفلان وتتجاهل فلاناً وان تأكل كذا وتنام على الجنب الذي نقترحه لك، وعليك أن تقصَّ شعرك على النحو التالي!
وفي حال رفضتَ أو فكرتّ بذلك فأنت مهددٌ بالخروج من جنة هذه المحبة ونعيم الإعجاب!
هم أحبوك لأنهم وجدوا شيئاً ما فيك أعجبهم، وعليكَ أنتَ أن تُعدِّلَ وبأقصى سرعةٍ بقية الأشياء فيك لتصير صورتك كما يحبون لها أن تكون.
هكذا المحبة غالباً!
عليك أن تفعل كذا وكذا من أجل أن تكون جديراً بمحبتي. وعليك أن تتقصّى دائماً كل ما أحبه وما يعجبني وما يحزنني وما يسعدني، لتكون ردات فعلك كما أحب. وكما أريد لك. لتكتمل صورتك على النحو الذي رسمته لك أنا. أنا الذي يحبك فلا تخذل هذه المحبة لمجرد أن تكون حراً!
وهكذا تصير أحياناً عبدَ المحبة، دون أن تنتبه، وتصير أنت شخصاً آخر لا يشبهك بقدر ما يشبه الصورة التي رسموها لك. وعليكَ أن لا تخذل هذه الصورة بأن تكون أقصر أو أسمن أو أطول من بروازها بخمسة سنتيمترات!
الناس لا تحبك كما أنت. وتظلُّ دائماً تفكر: لماذا فعل ذلك مع أننا نحبُّه!!
المحبة مشروطة. مدفوعة الثمن. والصورة التي يرسمها لك البعض حين يحبك تصير أنت ملزماً بأن تشبهها، وبأن تتنصل من كل اختلاف بينك وبينها حتى لو كان غير مقصود!
عليك أن تصحو من نومك فزعاً وقلقاً انك ما زلت ذلك الشخص الذي أحبّوه، وانك لم تتصرف على أي نحو يزعجهم أو يخالف الصورة، وعليك أن تحمل خرقة قماش بيضاء وتظل واقفاً طيلة النهار على خدمة الصورة وتنظيفها!
أنت لم تعد أنت.
أنت خادم المحبة، والساهر على حمايتها من أية رضوض قد تصيبها، وأنت القلقُ في كل شأن، والخائف المتوجّسُ: عليَّ أن أكون جديراً كل ساعةٍ وكل ليلة وعليَّ حتى خلال نومي أن أكون جديراً بهذه المحبة!
لا تعود تملك حريتك؛ هذا ترفٌ كبير. عليك أن تصحو صباحاً وتسرع لتفقد قائمة ما يحبون وما يكرهون لهذا اليوم؛ وما هي مواقفهم هذا النهار، ومن سيؤيدون ومن سيشتمون،..هكذا يريدك بعض الناس حين يحبونك.
يريدون لك ان تشبه الصورة التي تعبوا وهم يرسمونها لك، وان لا تخون فكرتهم المسبقة التي يحبون أن تكون عليها.
..
هكذا يفعل الذين هم بالأصل أحبوك لأنك تكتب لأجل الحرية: يسرقون حريتك!
الغد