الأمة .. ومراجعة الذات .. !
د. سحر المجالي
06-07-2013 07:24 AM
من سنة الحياة هو تواصل أكسيرها مع الكثير من التغيير والتغير في خطها البياني، وبحكمة لا يعلمها إلا الله عز وجل، حسب عقيدتنا، او حسب قوانين الطبيعة كما يفهما العلمانيون والكثير من الليبراليين، بدءً من مفهوم إفلاطون لطبيعة الحياة ومروراً بأرسطو وماركس وإنجليز وبينهما دارون وإنتهاءً بمنظري العلوم الإحتماعية والإنسانية في يومنا هذا. والأمة العربية بمكوناتها الأساسية لا تشذ عن هذه القاعدة. فمنذ أن سكن أبينا إبراهيم وأمنا هاجر عليهما السلام بذلك الواد غير ذي الزرع، وهي، إي الأمة العربية، وبمفاهيمها المتعددة، تمر بلحظات من المخاض ومراجعة للذات وتلمس آفاق مصيرها بين العديد من طرق الآلام وأنفاق الظلام حيناً، وفسح الآمال وصواب الدروب حيناً آخر.
فقد مر العرب بالعديد من مفارق الطرق والإرهاصات والتي أسبغت بصماتها على التأريخ العربي في مراحله العديدة والمتعددة. وليس حرب البسوس ببعيدة عن تلك الأنفاق المظلمة التي سيق فيها الإنسان العربي لحتفه ومن أجل اللاشيء. حيث كانت الحروب البينية تشتعل لأبسط الأسباب و« أتفها»، وكانت الدماء العربية تزهق بسبب بعير او ناقة او فرس او كلاء او ماء. ولكن في المقابل كانت الأمة لها محطات تأريخية أعادة فيه العقل إلى سلامته ورجاحته، وبحكمة العقلاء من القوم والقادة الذين ما زال تأريخنا يذكرهم، منذ حلف الفضول ودور عبدالمطلب بن هاشم، ومروراً بسقيفة بني ساعدة والتحكيم بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وإنتهاءً بتأريخنا الحديث حينما وضع الحسين بن طلال رحمة الله الإصبع على الجرح وإعترف بحكم عبدالكريم قاسم في العراق بالرغم من دماء بني هاشم الطيبة الطاهرة التي هدرت. لقد غلبت الحكمة ومصلحة الأمة هنا عقدة الثأر والإنتفام والغضب. بل، ومن أجل مواجهة الخطر الصهيوني على الأمة عام 1967، حط بطائرته الخاصة على أرض الكنانة، في اللحظة التي كان فيها أحمد سعيد، وعبر إذاعة صوت العرب، يتجنى على الحقائق والقيم والأعراف والعقائد، كل ذلك من أجل أن يكتب التأريخ ويؤكد على ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأن « الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة».
أسوق هذه الملامح التأريخية، وأنا أتابع ما حصل للربيع العربي ومحطته المهمة، مصر المحروسة وأمنا جميعاً- لأنها أم الدنيا. فحياة الثورات، كحياة الإنسان، لها محطات مفصلية في مسيرتها، ولها دروب ودهاليز، لا بد لها من سلوكها حتى تستقيم وتصل إلى بر الآمان. صحيح بأن الشارع قال كلمته في محطة الثورة العربية المصرية الأولى، وصحيح بأن الإجتهادات تباينت والآراء إختلفت حول الوسيلة والأسلوب، لكن أعظم ما يكتنف الربيع العربي وثورته المصرية تحديداً، هو الإجماع الشعبي، موالاة ومعارضة، على سلميتها وحضاريتها وإستيعابها للجميع. وما يثلج صدر المراقب المنصف ومن قلبه على مصر ودورها العربي والعروبي، هو هذا الرقي في الطرح من قبل المعارضة، وتأكيدهم على البعد عن الإقصاء وثقافة الثأر والإنتقام، والنزوع إلى اللغة التصالحية، وإيمانهم بأن مصر، الطيبة الطاهرة المعطاءة، تتسع للجميع.
كما لا يمكن هنا، تجاهل مبدئية الجيش العربي- المصري، او القفز على دوره في الحفاظ على دماء المصريين اولاً وحماية مكتسبات الثورة وسلمية نهجها ثانياً. لأنه، أي الجيش، يؤمن بأن الثورة بدأت مصرية وبسواعد المصريين جميعاً، ولا يحق لأي كان إختطافها، لأنها ببساطة، أي الثورة العربية-المصرية، كالنيل ملك للشعب المصري. لقد أثبت الجيش العربي- المصري، مرة أخرى بأنه جيش مصر وعمقها العربي، ولا يمكن له إلا أن يكون كذلك. وبالتالي فإن ماحصل في أرض الكنانة ليس بأكثر من محطة من محطات تأريخ الأمة لمراجعة ذاتها والتعلم من تجاربها..!
Almajali74@yahoo.com
الرأي