ثلاث دول (تركيا, قطر و مصر, ) يجمعها اليوم عدة مشابهات. الدول الثلاث تعرضت الى هزات سياسية تختلف في درجات قوتها وفقاً لمقياس الأزمات السياسي, من الاضطرابات الى التوريث و العزل السياسي. لكن يبقى العامل المشترك الأكبر بين الثلاث هو مواقفها الصقورية في العداء على سوريا.
مع توريث أمير قطر الحكم لابنه تميم, أرسلت الادراة الجديدة اشارات متعددة تشير الى نيتها تطبيق سياسة الانسحاب من مجمل ملفات الأزمة الاقليمية. و لعل الرسالة التي ارتبطت بحرمان قناة الجزيرة من السبق الصحفي او حصرية نقل خبر توريث الامير تميم هي الأهم. حيث تشكل هذه النقطة اعلاناً عن انطلاق تغيير نهج القناة التي استخدمتها الادارة القطرية السابقة و التي كان لها الدور الأكثر فعالية في عملية التغيير في العالم العربي.
اما اقليمياً, فتزامن الاعلان عن عملية التوريث في قطر, مع اندلاع الاشتباكات في صيدا بين الجيش اللبناني و الشيخ السلفي أحمد الأسير. الأسير الذي مثل أداة تهديد حقيقية لتفجير الداخل اللبناني, ارتبط ضمنياً بإدارات اقليمية و خليجية. بعض المراقبين اعتبروا ان التوريث السياسي في قطر قد رفع الغطاء عن الكثير من التنظيمات و الحراكات و الفصائل السياسية في المنطقة, او بعبارة أخرى, فان كثير من الأدوات الاقليمية التي تبنتها الادارة القطرية السابق قد انتهت صلاحيتها.
أما حالة العزل السياسي التي حدثت في مصر فتبقى -بلا شك- الحدث الابرز اقليمياً, الى الان. الجيش المصري الذي عزل الرئيس محمد مرسي و اعلن عن خارطة طريق ترسم المستقبل السياسي للبلاد فتح شهية المحللين و مراكز الدراسات للوقوف على الاسباب التي دفعت المؤسسة العسكرية للقيام بهذه الخطوة و بهذا التوقيت بالذات. لكن البعض يرى انه لا يمكن الوقوف على المشهد المصري الحالي دون اخذ العوامل الاقليمية و الداخلية المصرية بعين الاعتبار.
العوامل الاقليمية الأبرز ترتبط بالأوضاع السياسية في تركيا و بوادر الانسحاب القطري من الادوار التي اضطلعت بها الادارة السابقة, و كذلك اعادة قراءة مسار الأحداث بعد مرور اكثر من سنتين على الأزمة السورية. كل هذه المعطيات كانت تشير الى وصول المشروع الاخواني الى اخر مراحل الانحسار السياسي في المنطقة. اما على صعيد الداخل المصري, فكان لشخصية الرئيس مرسي الدور الأكبر في تدهور صورة الجماعة, حيث طغى على خطاباته حالات الشخصنة و الضدية, و ابتدع فن صناعة الاعداء.
اما سياسياً, فلم يكن الرئيس مرسي قادرا على اعطاء مصر دورها الاقليمي في اي من المعادلات, فأضاع فرصة انتاج مبادرة القاهرة, و اغلق كثير من قنوات الاتصال مع اغلب الدول, و دخل في حالة عداء واضحة مع بعض دول الخليج و الاقليم, و لم يحسن اللعب على حالات التناقض السياسي التي تمر بها المنطقة. و لعل النقطة الاهم ارتبطت ايضاً بمكانة مصر افريقياً, حيث أظهرت حيثيات مسألة بناء سد النهضة الاثيوبي التدهور في مكانة مصر الافريقية و سمعة مؤسستها العسكرية. عداك عن حميمية الأمور المتعلقة بالسد العالي في سيكولوجية المواطن المصري و التي دفعته للانتفاض لماض مازال حاضراً في الذاكرة المصرية. أما, على الصعيد العربي فقد بدا واضحاً ان الرئيس مرسي بدأ يعبر عن أهواءه الشخصية و اهواء جماعته متناسياً انه رئيس لثمانين مليون مصري. ظهر ذلك جلياً من خلال تبني الدعوة الى الجهاد في سوريا و التلويح بزج المؤسسة العسكرية المصرية في معركة لا يمكن للجيش المصري ان يكون جزءً منها. عداك عن الفشل الواضح في ادارة ملف السياسات الداخلية الأمر الذي انعكس على الحالة المعيشية للمواطن المصري. كل هذه المعطيات الاقليمية و الداخلية جردت الرئيس مرسي و جماعة الاخوان من اي غطاء دولي او اقليمي او حتى داخلي و تركت وحدها لمواجهة رياح التغيير القادمة و التعامل مع خصومها.
هذا التسونامي الذي ضرب الحالة الاخوانية في مصر, سيكون له هزات ارتدادية ستطال تنظيمات الجماعة في أغلب الاماكن, خصوصاً في الاماكن التي مارست فيها الجماعة حالة عالية من السلبية و التعنت السياسي, عبر اصرارها على اغلاق قنوات الحوار و رفض المشاركة في الحياة السياسية الداخلية, اعتقاداً ان التطورات الاقليمية كانت كافية لإيصال التنظيم الى السلطة بسياسة الفرض لا التفاهم. و لعل النتيجة الابرز التي سيعاني منها التنظيم الاخواني هي تلك المرتبطة بشعور المرارة لدى كوادر التنظيم الشابة و التي تشعر بحالة من الغبن بسبب افشال تجربتهم السياسية التي علقوا عليها آمالاً كبيرة, و كأن لسان حال بعض الشباب الاخواني اليوم, يقول:" ألم يكن هناك نماذج تعبر عن طموحاتنا السياسية بشكل أفضل؟". هذا قد يدفع الكثيرين للبحث عن حالات تعبيرية جديدة قادرة على اعادة صياغة تجربتهم السياسية و منع خروجهم من المشهد.