كان يجب أن يستلم الإخوان المسلمون الحكم لإنهاء العقدة التاريخية لعلاقتهم بالسلطة، وتسوية وضعهم في المكان الصحيح كقوة سياسية مثل بقية القوى؛ يمكن أن تكون في الحكم أو المعارضة، ويمكن أن تنجح أو تفشل. وقد حصل الإخوان في مصر على فرصتهم السريعة والكاسحة عقب الثورة، لكننا لم نتوقع أن يكون الفشل سريعا وكاسحا إلى درجة أن تخرج الملايين بغضب وتصميم شديد تطلب تنحيتهم عن السلطة.
ما حصل ليس انقلابا عسكريا على الإطلاق، وسيناريو تدخل الجيش يشبه سيناريو التدخل زمن مبارك؛ أي استجابة لثورة شعبية عارمة، وتأمين وضع انتقالي سلمي إلى حين الانتخابات، مع فارق لصالح الثورة الثانية هو أن العسكر لم يأخذوا السلطة الانتقالية وأي مناصب، بل أعطوها للقضاء؛ وبدل المجلس العسكري الانتقالي، استلم المسؤولية مجلس قضائي (الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا)، بالتفاهم والتوافق مع القوى السياسية، وبمشاركة أعلى شرعيتين دينيتين في مصر، هما الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، التقتهم جميعا قيادة الجيش، وتفاهمت معهم على خريطة طريق محددة للخروج من الأزمة.
ولا يمكن مقارنة ما جرى في مصر مع الانقلاب في الجزائر العام 1989. ففي الجزائر، تم وقف المسار الانتخابي في منتصفه، وحظر جبهة الإنقاذ الفائزة، بتدخل مفاجئ من العسكر. بينما في مصر أخذ الإخوان فرصتهم الكاملة في الحكم، لكنهم، وفق أغلب المراقبين والمحللين، أساؤوا إدارته، وارتكبوا أخطاء فادحة في كل شيء؛ ابتداء بفهمهم لجوهر الثورة التي حصلت، وحصتهم فيها وفي صفوف الشعب. فمرسي الذي حصل في الجولة الأولى على ربع الأصوات، حصل في الثانية على نصفها بدعم من بقية القوى الثورية التي لم تقبل أن تدعم أحمد شفيق من رموز النظام السابق. وكان يجب على مرسي التصرف بوصفه ممثل الجميع، وأن يخضع لتوافق كل قوى الثورة؛ لكنه تصرف بالسلطة كغنيمة له ولحزبه.
وقد كان ممكنا للرئاسة إزاء الأزمة المستعصية منذ أسابيع، إنقاذ الموقف بالاستجابة لمطلب الانتخابات المبكرة؛ وهي خيار ديمقراطي سائد، يتم اللجوء إليه عندما تحدث أزمة سياسية مستعصية، ويصبح وجود أغلبية شعبية في الحكم موضع شك؛ فيتم العودة إلى صناديق الاقتراع لحسم الأمر. وبالمناسبة، فإن شخصية بحجم الرئيس الفرنسي شارل ديغول فعلت ذلك بعد الثورة الشبابية العام 1968، والتي بدأت في فرنسا واجتاحت أوروبا؛ فقد قام بإجراء استفتاء عام خسره، واستقال من الحكم وهو من هو بالنسبة لفرنسا والعالم.
خروج الشعب المصري هو حكم واضح، على الإخوان فهمه، ومراجعة تجربتهم. فالحقيقة أنهم لم يكونوا مؤهلين للتفرد بإدارة الدولة، ولم يكن من الحكمة أبدا لأي طرف أن يتحمل وحده المسؤولية عن الوضع الاقتصادي المنهار. لكن شهوة السلطة أعمتهم عن القرار الرشيد، وهو إشراك الجميع في المسؤولية. والآن، فإن عليهم التعافي سريعا من هذه المحنة، والعودة إلى المشاركة السلمية الديمقراطية والانتخابات المقبلة، ومحاربة أي اتجاهات أو جماعات تجنح إلى الإرهاب؛ فكل التجارب أظهرت أن هذا كارثة عليهم وعلى البلد. ما يطمئننا هو خروج المصريين السلمي الديمقراطي إلى الشارع بهذه الكثافة؛ فهو اكتسب معانيَ سياسية واستراتيجية تاريخية. إن جموعا هائلة كهذه لم تخرج من قبل في أي مكان. وحسب تقديرات خبراء لصور غوغل الفضائية، فان عددهم في مختلف المدن المصرية يناهز 33 مليون شخص، وهو أكبر تجمع للتظاهر خرج في أي وقت من تاريخ البشرية.
أثبتت مصر أنها أمّ الدنيا فعلا، وأن شعب مصر العظيم عظيم حقا؛ فهو صنع الربيع العربي بثورة شعبية سلمية غير مسبوقة، وهو استعاد هذا الربيع من الاختطاف والحرب والإجرام، أيضا بثورة سلمية غير مسبوقة.
jamil.nimri@alghad.jo
الغد