إذا كان الرئيس مرسي قد ارتكب بعض الأخطاء فعلاً، وإذا كان الرئيس لم يستطع تحقيق الإنجازات الكبيرة والمقنعة لجماهير الشعب المصري خلال عام من الزمن، فقد يكون ذلك صحيحاً، وقد اعترف الرئيس بذلك، لكن ما يجب التأكيد عليه بطريقة حازمة وجازمة أن عزل الرئيس عبر انقلاب عسكري جريمة مروعة بحق الديمقراطية، وخيانة لدم الشهداء، وشتان بين الخطأ والجريمة.
أعلم تماماً أن كثيراً من خصوم الإسلاميين يعيشون الفرحة والبهجة، ويتبادلون أسمى آيات التهنئة والتبريك، ولكنهم بذلك يقارفون جريمة تقويض الديمقراطية ويسوغون تمرير الانقلاب العسكري، والعودة بالتجربة المصرية إلى نقطة الصفر وإلى المربع الأول، وهم يشتركون مع حسني مبارك وأتباعه وأركان نظامه ومع كل زبانية الديكتاتورية والأنظمة المستبدة مهرجان التشفي بالإسلاميين وممارسة المكايدة الغريزية!!
ينبغي أن لا يكون الحكم على ما جرى ويجري في مصر منطلقاً من مربع الحب والكره، والبغض والخصومة السياسية، وينبغي أن لا يكون الاختلاف سبباً في التعامي عن جريمة وأد أول تجربة ديمقراطية عربية في عامها الأول، لأن ذلك سيكون سبباً في نشر ثقافة الإحباط واليأس التي تشكل بيئة خصبة لاستنبات بذور التطرف والعنف، وتعزز ثقافة الفوضى والعبث واللامبالاة عند بعض الشرائح، كما تسهم في تعميق حدة الانقسام بين مكونات المجتمع وقواه السياسية الذاهبة بعيداً عن طاولة الحوار، وتسير نحو الأفق المسدود الذي يحول دون التقارب وامتلاك القدرة على إدارة الخلاف.
عندما يخطىء الرئيس المنتخب، وعندما يقصّر في مجال الإنجاز وعندما يعجز عن تحقيق مطالب الجماهير، يجب أن تتم محاسبته عبر مؤسسات الدولة التشريعية المنتخبة التي تمثل الشعب، والتي تمتلك الإرادة الشعبية الضاغطة على المسؤول، والقادرة على تغييره عبر الدستور الذي تم الاستفتاء عليه بمنتهى الحرية والإرادة الشعبية المعترف بها، وليس عبر الشرعية الانطباعية الخاضعة لمنطق التشكيك والانقسام غير المنضبط في الساحات والميادين التي تدعيها كل الأطراف المختلفة والمتناقضة.
الاختلاف موجود، وسيبقى موجوداً، لأنه شيء طبيعي ومنطقي وهو من سنن الكون المفروضة، ولن تستطيع قوة في الأرض إزالة هذا الاختلاف والتنوع والتعدد في الرؤى السياسية والاقتصادية والذي لا يخلو منه مجتمع بشري قوي أو ضعيف، ولكن الفرق يتمثل في قدرة هذه المجتمعات على إدارة خلافاتها، وفي القدرة على إيجاد المرجعية العليا من المبادئ والقيم والقواعد العامة، التي يتفق عليها العقل البشري والتي نحتكم إليها جميعاً.
تشير القراءات الموضوعية والعلمية لما تم في مصر الكنانة الى إنه تنفيذ لمخطط مسبق، أشرفت عليه عدة أطراف، وكانت تدفع بالأحداث نحو إيجاد البيئة المناسبة، فتصريحات قائد الجيش بأن الجيش لن يقف مكتوف الأيدي إزاء ما يجري قبل أسبوع من الأحداث إنما شكل الخطوة الأولى في خريطة الطريق التي رسمت بالاتفاق مع الأطراف السياسية والقضائية والدينية، ولذلك كانت كثير من القوى السياسية المعارضة تتحدث عن مضمون الخطة قبل الخروج إلى ميدان التحرير، وما كان الخروج إلى الميادين، وإفساح المجال لممارسة بعض أعمال التخريب، وحرق المقرات إلّا نوعاً من أنواع الإخراج المسرحي، الذي يعطي الشرعية المنقوصة للجيش أمام الجماهير من أجل التحرك تحت ستار فرض الأمن، ولذلك وجدنا أن الجيش انتشر في القاهرة واحتل جميع المواقع قبل موعد التظاهر بأسبوع، وقد عرف أهل الخبرة أنها ليست سوى انقلاب.
وأشارت بعض التقارير إلى تبادل التخابر والتنسيق بين قيادة الجيش المصري وقيادة الجيش الأمريكي والبنتاغون وبعض القوى الدولية والعربية منذ زمن، وكانت بعض الأطراف الخارجية تتحدث بثقة عن انتهاء عهد مرسي في 30 يونيو قبل مدة طويلة، ومن يرقب التهاني المتسرعة لرئيس الدولة الجديد المعين قبل أن يقسم اليمين، يدرك جزءاً من الحقيقة.
عندما يتصرف وزير الدفاع بعيداً عن علم رئيس الجمهورية وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة بحكم الدستور! وعندما يعلن وزير الداخلية تمرده علانيةً على أوامر رئيس الحكومة بعدم حماية المقرات الحزبية! بل إنه وفّر الحماية للرعاع لممارسة حرق الحزب الحاكم دون أدنى تدخل، يدل دلالة واضحة لا ريب فيها على المؤامرة التي تم تدبيرها بليل وتستطيع أن تقرأ الانقلاب قبل وقوعه.
إصباغ الشرعية على هذا الانقلاب العسكري جريمة، والصمت على المشهد جريمة، والشعور بالفرح والبهجة سلوك طفولي يبتعد عن الشعور بالمسؤولية وإدراك عواقب هذه الخطوة ونتائجها على جميع الأطراف؛ المبتهجين والمحزونين على حد سواء.
a.gharaybeh@alarabalyawm.net
العرب اليو