عمون -
ينتظر انتفاضة فلسطينية
هآرتس - جدعون ليفي:4/7
(المضمون: لا بد أن يأتي يوم يثور فيه الفلسطينيون على حكم الاحتلال الاسرائيلي ويحسُن ان يأتي هذا اليوم في أسرع وقت ممكن لأنه كلما مر الوقت تراكم الضرر والغضب).
في يوم ما سيثور الشعب الفلسطيني على محُتله وليت هذا اليوم يأتي سريعا. صحيح أن هذا السيناريو يبدو غير واقعي الآن، فالفلسطينيون ما زالوا ينزفون من الانتفاضة الثانية التي جلبت عليهم (وعلى الاسرائيليين) كوارث فقط، وهم منقسمون ومختلفون وليست لهم قيادة حقيقية وليس عندهم روح نضال وأصبح العالم ايضا قد تعب من مشكلتهم. والاحتلال الاسرائيلي الذي يواجههم أقوى وأثبت مما كان دائما، والمستوطنات تتكاثر والجيش يحكم بلا قيود، وبازائهم صمت حكومات العالم وعدم اكتراثها. لكن لا يمكن في مقابل ذلك ان يخطر في البال ألا يتحقق هذا السيناريو، فمن الجنوب يناضل الشعب المصري من اجل صورة نظامه بطريقة تثير التأثر؛ ومن الشمال يفعل الشعب السوري ذلك بطريقة أقسى كثيرا – فهل يبقى الشعب الفلسطيني وحده مطأطئا رأسه الى الأبد خاضعا طائعا تحت الحذاء العسكري الاسرائيلي؟ أضحكتم وزير التاريخ.
كانت نظم الحكم التي ثارت عليها الشعوب العربية في أكثرها أقل قسوة من نظام الاحتلال الاسرائيلي، وكانت أقل فسادا ايضا بالمعنى الواسع لكلمة فساد. فلم يتغلغل أكثرها الى حياة الرعايا جميعا في الليل والنهار، ولم تُقيد كثيرا حركتهم وحريتهم، ولم تُنكل بهم ولم تُذلهم بالصورة المنهجية كما يفعل النظام الاسرائيلي.
ولم تكن نظم الحكم تلك ايضا نظما اجنبية، ولهذا فان ميدان التحرير سينهض ذات يوم في ميدان المنارة ايضا. وسيخرج الجموع الى ميدان الجندي المجهول في غزة، ويحتشد المتظاهرون في ميدان الشرطي في الخليل، ويهجمون على الحواجز العسكرية في طريقهم. صحيح أنه يصعب الآن تخيل أن يحدث ذلك وأصعب من ذلك ان نتخيل عدم حدوثه.
إنهم من جنين الى رفح يراقبون الآن في حسد أعاجيب ميدان التحرير – فهل يستطيع أحد أن يفكر في جدية بأن هذه المناظر والروح لن يؤثرا في بلاطة ايضا؟ ولن يسوقا جباليا ايضا؟ إن الاول تحت حكم اسرائيل والثانية تحت حكم حماس في ظاهر الامر، ولا يستطيع سكانهما حتى أن يلقى بعضهم بعضا فالى متى سيوافقون على ذلك؟.
اجل سيحدث هذا ذات يوم: فالجموع ستتجه الى المستوطنات والى الحواجز العسكرية والى معسكرات الجيش والى السجون. ولن يستطيع عرب اسرائيل آنذاك ايضا أن يتنحوا جانبا، فهم ايضا يشاهدون التحرير ويدركون ايضا أنهم يستحقون نظاما مختلفا ودولة مختلفة.
سيحدث ذلك في أقل الاوقات توقعا في ظاهر الامر، ولن يتنبأ بذلك أي تقرير لشعبة الاستخبارات العسكرية، ولن يُحذر من ذلك أي مُركز ميدان من "الشباك". وسيتظاهر وزير الدفاع بالدهشة ويجمع رئيس الوزراء لمشاورة عاجلة ويكتب وزير المالية مدونة في صفحته. وسيدعو رئيس الولايات المتحدة الى تهدئة النفوس؛ ومن يعلم ربما يرسل ايضا مبعوثا خاصا، وسيحاول الجيش القوي والأكثر اخلاقية في العالم في الأساس ان يعيد النظام الى ما كان عليه، لكن النظام الجديد سيحكمه هو ايضا.
سينتهي هذا النظام الى السقوط مثل نظم ظلم وشر اخرى، لكن ليس من الواضح متى وكيف. إن هذه النظم تسقط احيانا على أثر سفك دماء فظيع كما في سوريا، وتسقط احيانا من تلقاء نفسها مثل شجرة نخل فسد جذعها، كما حدث في الاتحاد السوفييتي وجنوب افريقيا واوروبا الشرقية، وسيحدث هذا ذات يوم ولا سبيل اخرى.
ويحسن ان يأتي هذا اليوم سريعا ومن المؤسف أنه لم يأت بعد. إن الرأي العام في اسرائيل الذي لم يُحسن أن يُنهي نظام الاحتلال بنفسه سيتظاهر بأنه فوجيء وشعر بالاهانة ايضا، وسيقولون مرة اخرى "لا شريك" و"هؤلاء حيوانات"، لكن لن يستطيع أحد بعد ذلك أن يتناول هذه المقولات بجدية. وستُظهر اسرائيل نفسها مرة اخرى بمظهر الضحية، وسيستطيع قليلون تأييدها.
لماذا يحسُن أن يأتي سريعا؟ لأنه كلما مر الوقت تراكم الضرر والغضب. ولأنه لم يعد أمل في ان تفعل اسرائيل ذلك بمبادرة منها. ولأن العدل يصرخ ليحدث ذلك. ولأنه سواء أكان الحل دولة واحدة أم اثنتين – فان اسرائيل غير المُحتلة والعادلة والتي فيها مساواة ستكون مكانا مختلفا العيش فيه أفضل بكثير.