على غير ما كنا نتوقع فقد جاء موقف مجلس النواب متقدما على موقف مجلس الاعيان فيما يخص تطوير عمل السلطة القضائية، وفيما رد مجلس النواب مشروع القانون المعدل لقانون أستقلال القضاء وأعتبره غير كاف لبناء سلطة قضائية مستقلة متطورة، وطالب النواب الحكومة بقانون جديد متكامل للسلطة القضائية، جاء موقف الاعيان وفي دقائق معدودة مغايرا ومجاملا الى حد كبير باقرار مشروع القانون المعدل وأعادته الى النواب.
ومن جانب آخر تقدم مجموعة من القضاة الى مجلس النواب بمشروع قانون متكامل للسلطة القضائية تبناه عشرات النواب لرفعه الى الحكومة لتقديمه كمشروع قانون الى السلطة التشريعية، وهو مشروع قانون تقدمي يعكس رغبة القضاة بمسايرة الاصلاح السياسي والدستوري بخطوات متقدمة بينما توجه السادة الاعيان الى الاصلاح بالقطارة وعلى جرعات دون اعتبار سنوات طويلة مضت على المطالبات باصلاح وتطوير السلطة القضائية، ولم يعد هناك متسع من الوقت يضيع في المناقشات في الوقت الذي سبقتنا فيه سلطات قضائية في دول شقيقة بنيت بمعرفة وخبرة قضاتنا الذين كانوا يبتعثون للعمل في المحاكم هناك، الى أن وصلت الانظمة القضائية هناك من الحداثة ما يضاهي ويتفوق على أنظمة قضائية لدى دول أوروبية عريقة.
نشعر أن هناك حالة شد عكسي كلما جاء الحديث أو هبت رياح التطوير في السلطة القضائية، وهناك من يشعر أن القضاء في بلدنا لم ينضج بما يكفي لمنحه الاستقلال المالي والاداري واشراك قضاة محاكم الدرجة الاولى في رسم مسيرة القضاء.
وكلما مس الحديث آلية تشكيل المجلس القضائي وجدنا تخوفا ومعارضة من تمثيل المحاكم المختلفة في المجلس عبر الانتخاب، تخوف غير مبرر سبقتنا اليه دول شقيقة كنا نتقدم عليها في الاصلاح والتطوير.
في مسودة مشروع قانون السلطة القضائية الذي أعدته ثلة من القضاة وسلم الى عدد من النواب، تبنت المسودة توسيع عدد أعضاء المجلس القضائي وتمثيل محاكم الصلح والبداية والاستئناف فيه بواسطة ممثلين ينتخبهم القضاة من بينهم، وهذه خطوة أصلاحية متقدمة تبني جسور الثقة بين كبار القضاة وبين قضاة المحاكم بمختلف درجاتهم، وتنهي حالة العزلة القائمة بين قضاة التمييز والدرجات العليا وبين القضاة الشباب في محاكم الصلح والبداية.
وللتدليل على صواب مثل هذه الخطوة المتقدمة فقد تبنى دستور المملكة المغربية الجديد عام 2011 هذا النص في الدستور نفسه وليس في قانون السلطة القضائية، حيث نص دستور المغرب على كيفية تشكيل المجلس الاعلى للقضاء الذي يرأسه جلالة الملك حيث تضمن ( ممثلين اثنين لقضاة محاكم الاستئناف ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم؛ وأربعة ممثلين لقضاة محاكم أول درجة ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم. ).
ونعيش نقلة نوعية في الاصلاح لا ينفع معها التقدم خطوة والوقوف لسنوات لنبدأ الخطوة التالية، ولا يحتاج إقرار قانون جديد للسلطة القضائية أكثر من تبني المشورع الذي تقدم مجموعة من القضاة وبحثه وأقراره خلال الدورة الحالية لمجلس النواب بدلا من بدء سجالات رد وأقرار بينهم وبين الاعيان في مشروع القانون المعدل الحالي، تهدر الوقت ولا تاتي بالمطلوب.
نأمل أن يصر السادة النواب على موقفهم برد المشروع الحالي والمطالبة بمشروع قانون جديد متكامل للسلطة القضائية.
الرأي