الجماعة أصبحت في منتصف الطريق، لا هي قادرة على تجييش الشارع ولا على المبادرة
من فضائل الربيع العربي على الاردنيين أنهم تعلّموا من "كيس غيرهم" بعد مشاهدة تجارب الآخرين في الشوارع من عنف وتخريب وتكفير، لذا لم ينجروا وراء الفوضى والصراع وتدمير الذات بحثا عن المجهول، فحافظوا على دولتهم ونظامهم السياسي مع بقاء المطالبة بالإصلاح السياسي ومحاربة الفساد والمفسدين وتحسين معيشة الناس.
ما يجري في مصر حتما سيغير خارطة الاحداث وتوجهات الرأي العام في الاقليم وسيؤدي الى تراجع قوى وبروز قوى أخرى، وهناك خوف من ردة الفعل أو الصدام لدى القوى المتراجعة أو انتشاء القوى الجديدة، وهذا ما قد ينطبق على جماعة الإخوان المسلمين في الاردن. ما ردة الفعل الداخلية؟ هل سنشهد يوم الجمعة المقبلة تصعيدا في وسط عمان والمحافظات؟
لنعترف بداية أن المشروع الإخواني في المنطقة والاردن في أسوأ مراحله نفسيا ومعنويا مهما كابروا وأعطوا من تبريرات لتراجعهم السريع، نتيجة ردود الفعل على تجربة "الإخوان" القصيرة في الحكم، ومع أن "الاخوان" مصدومون في الشوارع لأنهم لم يتوقعوا أن تخرج الملايين في مصر لتهتف ضدهم وتحرق مقارهم، إلا أنهم مطالبون بمراجعة مواقفهم وتصرفاتهم واندفاعاتهم ورهاناتهم.
لا اعتقد أن جماعة الاخوان المسلمين في الاردن ستندفع يوم الجمعة المقبلة في المظاهرات الصاخبة لعدة اسباب: أولها تراجع قدراتهم على تعبئة قواعدهم الشعبية وبالتالي انفضاض بسطاء الناس من حولهم نتيجة الشعارات المغامِرة التي يلجأ اليها بعض الشباب والتي أخافت الجماهير، إضافة الى الازمة البنيوية الداخلية وعدم قدرة قيادة الجماعة على بلورة مشروع توافقي داخلي يمكن أن يشكل نقطة انطلاق الى الحلفاء والاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني لتبنيه كحلّ وطني.
ويبدو أن الشعور الداخلي لدى الجماعة الاردنية أنها أصبحت في موقف لا تحسد عليه، بيئة اقليمية ومحلية غير مطمئنة لهم، بل يمكن أن تكون معادية وغير مقتنعة بمشروعهم السياسي نتيجة الاندفاعات الداخلية والخارجية الخاطئة، والمراهنات غير المنطقية التي اندفعوا وراءها بشهية نحو الحكم والمغالبة.
فالإخوان في الاردن باتوا في منتصف الطريق، لا هم قادرون على تجييش الشارع الاردني ضد الحكومة أو الحكم ولا هم قادرون على الفعل أو الحسم في أي شعار طرحوه خلال السنتين الماضيتين، وبالتالي أصبحوا عاجزين عن التقدم خطوة الى الامام وليس بامكانهم رعاية أية مبادرة سياسية مع الحكم بعد أن عزلوا أنفسهم عن الشارع أولا وعن القوى السياسية الحليفة لهم ثانيا.
وكان من المفترض أن يتعلم "إخوان الاردن" من تجربة "إخوانهم" في المملكة المغربية الذين توصلوا الى صفقة تاريخية مع الحكم الملكي هناك، لكنهم راهنوا هنا على فعل الشارع الذي توقعوا أن يحملهم الى السلطة، واليوم رأوا أن ما يجري في الشوارع العربية من اندفاعة مضادة هو عكس ما توقعوه في بداية الربيع العربي تماما.
واولى مراجعات "الإخوان" يجب أن تكون بالاعتراف بأنهم لا يقدرون على مغادرة "حضن الدولة الدافىء" والقطيعة النهائية مع الانظمة التي فرشت لهم الطريق منذ عشرات السنين، وقد رأوا في لحظة من اللحظات أن غياب قوات الامن المصرية أدى الى إحراق مقارهم العامة.
وثاني المراجعات، يجب على "الإخوان" أن ياخذوا بحكمة " للضرورة احكام" وأن استلام السلطة ليس كممارسة ترف المعارضة في الفنادق والاعلام والشوارع، فالاولى لها موجبات وشروط قد لا تتوفر في الثانية، وقد رأينا أنهم تسلموا رأس الحكم في مصر واغلبية كبيرة في مجلس الشعب، لكنهم لم يقدروا على تنفيذ شعار واحد من شعاراتهم في "إلغاء معاهدة كامب ديفيد أو حتى وقف التطبيع مع اسرائيل أو فك الحصار عن قطاع غزة أو عدم التعامل مع صندوق النقد الدولي..."
إن الحكم ليس فقط في استلام الاغلبية للسلطة بل في مقدرة الاخيرة على تشكيل كتلة حقيقية قادرة على تبني مشروع وطني يجمع الصفوف ولا يفرقها في إطار جديد من الحداثة والحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان. أما الحكم على قاعدة الشعارات الدينية فإنه لا بد وسيصطدم بالواقع، لأن الدين مشروع حضاري وليس مشروعا لاستلام السلطة.
n.ghishan@alarabalyawm.net
العرب اليوم