مصر، او المحروسة، كما يطلق عليها البعض تمر منذ انطلاقة ثورة الخامس والعشرين من يناير، بمخاضات عسيرة ومنعطفات خطيرة، باتت تُدخل البلاد في نفق مظلم نتيجة سياسات الاقصاء التي تمارسها جماعة الاخوان المسلمين، بعد ان تسلمت زمام السلطة، وباتت تمارس عُقَدَ ثمانين عاماً من التهميش وتنقض على كل من يخالفها الرأي من القوى والتيارات السياسية الاخرى في طرائق الحكم، التي لم ينج منها «حزب الكنبة» وهو مصطلع شائع بين الاشقاء يطلقونه على الاغلبية الصامتة.
حالة التطاحن السياسي التي تشهدها مصر، باتت سمة بارزة، وعلامة فارقة على جبين المشهد المصري برمته، بعد انعدام الثقة وثقافة الحوار، وغياب نموذج الاعتدال عن الممسكين بدفة الحكم، والضرب بعرض الحائط بمصالح البلاد والانحياز لمصالح الجماعة، ما شكّل حالة رفض عامة لسياسة الاخوان تنذر بتصاعد وتيرة العنف والفوضى، وتفاقم من مظاهر الاحتقان السياسي لدى الشارع المصري الذي أعلن رفضه الاستسلام او الانصياع لسياسات «احادية الجانب» تعلي من شأن الجماعة وتحط من شأن بقية الفصائل والتيارات السياسية.
حالة الغليان بفعل السياسات اياها، قلبت مزاج الناخب المصري الذي مكّن الاخوان المسلمين من الحكم, الى اصطفاف هذا الناخب وتخندقه ضد هذه السياسات عبر الاحتشاد في شوارع وميادين مصر مطالبة برحيل النظام، بعد ان غُيبت دولة القانون واصرار الاسلاميين على الامعان في اخونة مؤسسات الدولة، لتشكل حليفاً قوياً يساعدهم في تنفيذ اجنداتهم السياسية، وهم بذلك فوّتوا فرصة تاريخية ربما لن تتكرر، بعد ان فشلوا في استيعاب المعارضة المصرية وتلبية احتياجات الشارع.
حركة تمرد، التي تنادي باسقاط نظام الرئيس محمد مرسي، اخطر ما فيها انها حركة ولدت من رحم الشعب نفسه، الذي ضاق ذرعاً بفعل السياسات الاخوانية، لتشكل قاعدة صد وخصم عنيد في مواجهة سلطة ترى من وجهة نظرها انها استبدت في حكمها، وهذا مكمن قوة «الحركة» وليست مجرد عملية استعراض قوى لمعارضة امام سلطة.
لعل المظهر الاول في خروج حكم الاخوان عن نطاق السيطرة، يتجلى في احداث السويس التي رفض اهلها الإذعان لتنفيذ قرار الحظر الصادر عن رئاسة الجمهورية، الى جانب ازمات اخرى افتعلها النظام ورفضها العقل الجمعي المصري، الذي ما زال يعيش اجواء الثورة، ويصر على اعادة التوازن الى مؤسسات الحكم في مصر.
سحابة الخامس والعشرين من يناير، ما زالت تخيم فوق الاجواء المصرية، معلنة بذلك استمرار الثورة ضد سياسات الاستقواء والاستئثار بالسلطة، فزجّ الدين بالسياسة أخطر ما يكون على رسالة الإسلام السمحة لأن السياسة من صنيعة البشر فيما الدين من عند الله.. مع الامنيات للشقيقة الكبرى مصر ان تخرج من هذه الازمات المتوالية بخير، وان تبقى سنداً وعوناً لأهلها وللأمة العربية جمعاء.
eyadwq@yahoo.com
"الرأي"