مخاوف الملك أصبحت برنامجا للحل
نبيل غيشان
30-06-2013 03:13 PM
الأردن نجح في "جر" الولايات المتحدة ودعوتها للقيام بدروها الأخلاقي كزعيمة للعالم
ما نراه اليوم في الإقليم هو أحد نتائج زيارتين مهمتين لجلالة الملك عبدالله الثاني إلى موسكو وواشنطن، فقد حمل جلالته إلى العاصمتين تحذيرا واضحا من الفوضى القادمة إذا ما استمر الدفع إلى الانفجار في قضيتين رئيسيتين : أولهما الأزمة السورية ، وثانيهما: القضية الفلسطينية، فكانت رسالة جلالته للقياديتين الأمريكية والروسية بعقلنة الاندفاع وإعادة تفعيل العقل من أجل تبريد الرؤوس الحامية والوصول إلى حلول منطقية بعيدة عن الدم والدمار.
ففي الأولى فإن المعسكر المسمى (أصدقاء سورية) والمعادي للنظام السوري وعلى رأسه تركيا وقطر قد قطع شوطا طويلا في التأزيم السياسي إلى أن وصل إلى مكانة بات فيها الإقليم على شفا انفجار هائل وحرب دينية تغذيها الأحقاد و المناكفات على جانبي المعادلة .
وكان لا بد من التحذير من الاندفاع في معاداة النظام السوري والضغط باتجاه إسقاطه في الوقت الذي لم ينضج فيه البديل السياسي على الأرض، وقد رأينا خلال الشهرين الماضيين تراجعا واضحا في الأداء الدبلوماسي للدورين التركي والقطري وغيابهما عن الساحة الرئيسية ، وما تلاه من تخفيف لهجتهما في الاندفاع نحو التحريض على النظام السوري بعد أن عرف العالم خطورة وتعقيد الوضع الديموغرافي والعسكري على أرض الواقع .
وقد رأينا ما جرى من شواهد محسوسة على عملية التغيير الجارية في الإقليم وخاصة النجاحات العسكرية التي حققها الجيش السوري في منطقتي القصير وتل كلخ وما رافقها من سكوت دولي على التدخل العسكري لحزب الله في مواجهة فصائل المعارضة المسلحة القريبة من فكر تنظيم القاعدة . وفي المقابل اشتداد الحديث الغربي عن تزويد المعارضة المعتدلة بالسلاح ، وكذلك ما جرى في ميدان تقسيم في مدينة اسطنبول التركية وأخيرا ما جرى في قطر من تنازل عن السلطة من قبل أمير البلاد الشيخ حمد بن خليفة لنجله الأمير تميم عن الحكم.
وقد أثبتت الأيام صحة الموقف الأردني المتحفظ من الأزمة السورية ورفض الضغوطات من أجل التورط مثل تركيا في الأزمة ، بل بقي الأردن محافظا على طرحه رغم ما دفعه من أثمان باهظة اقتصاديا في السنتين الماضيتين، إلى أن تماهى الطرح الدولي من القضية السورية مع موقف الملك عبدالله الثاني، وبات الجميع يستبعد الحل العسكري وينخرط الجميع بما فيهم الولايات المتحدة في البحث عن حل سلمي للأزمة بعد أن ثبت فشل الحل العسكري والتأزيم الطائفي وتأكيد خطورة استمراره.
أما الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري فقد حققت في ال48 ساعة الماضية انفراجا سياسيا يمكن أن يفضي إلى عودة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية من جديد نتيجة ضغوط أمريكية واضحة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولا يمكن إخفاء أن فكرة التحرك الأمريكي هي بالأساس مبادرة أردنية عرضها الملك عبدالله الثاني على الرئيس باراك اوباما خلال زيارته للأردن في آذار الماضي ، و كانت في البداية تهدف إلى الاستفادة من الوضع الإقليمي المتدهور والضغط لجمع الطرفين إلى طاولة المفاوضات في حزيران الجاري لكنها أخذت وقتا أطول.
وفكرة الملك كانت في غاية البساطة، فهي تقوم على تشجيع الولايات المتحدة ودعوتها إلى القيام بدروها الأخلاقي كزعيمة للعالم وتشجيعها في الانخراط ومباشرة العمل الحقيقي من اجل إيجاد الحلول وليس الحروب، وهو ما يضمن مصالحها في الإقليم ويعيد لها هيبتها التي فقدتها نتيجة انحيازها الأعمى إلى إسرائيل وغيابها عن دورها.
إن ما يجري في الإقليم هو عودة إلى سياسة التعقل والحكمة وهي نتاج للسياسة الأردنية الهادئة والعاقلة والقادرة على التأثير في الفكر الغربي ومخاطبته بلغة المصالح والحداثة والاندماج في المجتمع الدولي، لان انفجار الأوضاع في المنطقة لن يكون في صالح الولايات المتحدة الأمريكية ولا ربيبتها إسرائيل، وبالتالي فإن مخاوف الملك من الانفجار في المنطقة تحول اليوم إلى برنامج عمل تتبناه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في سورية وفلسطين.
n.ghishan@alarabalyawm.net
"العرب اليوم"