جاء في التاريخ أن عمرو بن العاص الأموي كان المهندس الفعلي لوصول الخلافة للخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان، وتروي بعض الكتب أن الرجل كان يأمل أن يكون له نصيب في الخلافة بعد وفاة معاوية.
ونقرأ في الكتب التاريخية أن هذا الأمل تبخر بعد أن عزم معاوية على التوصية لابنه يزيد بولاية العهد، ليكون بذلك أول خليفة يلي مقاليد الحكم بعد أبيه، وبالفعل تولى يزيد الحكم، وكان معاوية يعرف يقينا برغبات عمرو بن العاص المكبوتة في صدره بالحكم.
استشعر معاوية رغبات عمرو بن العاص في الخلافة بحكم معرفته بالرجل، وما كان معروفا عن الاثنين من دهاء وفطنة كان مضربا للمثل، فعمرو بن العاص كان يعرف حجم ما قدّم لمعاوية.
المهم طوى الموت معاوية وعمرو بن العاص ويزيد، ولكن التاريخ يصر دوما على تجديد نفسه، ونحن اليوم نرى التاريخ الذي وقع قبل 1400 سنة، يعود بشكل جديد وبأيد جديدة ومسميات مختلفة ولكنها تؤول لذات الأمر وتصب في ذات البئر والمجرى.
تجربة معاوية وعمرو بن العاص ويزيد تعود للحياة من جديد بأشخاص مختلفين وبواقع مختلف، فما حصل أن بعض الطامعين بالسلطة في زماننا وجدوا مصير عمرو بن العاص نفسه، ولم يشفع لهم ما قدموه من خدمات جليلة لسيدهم، وما فعلوه لتغيير الصورة النمطية التي ظهرت عليها تلك الدول، وما ساهموا فيه في تخريب وتقسيم في دول كانت آمنة، ففعلوا فيها ما فعلوا من تدمير لإرضاء ساداتهم.
الغرابة أن حملة المباخر، وقارعي طبول التصفيق والإشادة والتهليل والتزمير، يريدون منا نحن عامة الشعب العربي أن نهلل ونصفق كما يفعلون، ويريدون منا استقبال أي تغيير يحصل هنا أو هناك باعتباره فتحا ديمقراطيا عز مثيله في المنطقة، وان نتعامل مع دول، مجالسها التشريعية معينة، وإن لم تكن كذلك فإن ربعها معين.
يكفي مراوغة، فإن كنا بالفعل نريد الارتقاء بحالنا العربي من مطرح لمطرح آخر أكثر سعة وديمقراطية علينا الذهاب مباشرة نحو الدول المدنية، وهناك لا يحاكم أحد إلا وفق القوانين والأنظمة، دولة مدنية بعيدة عن أية أحقاد مذهبية أو طائفية أو جهوية أو إقليمية.
فلا ديمقراطية دون دولة مدنية، ولا دولة مدنية دون إرادة سياسية حقيقية وتشريعات رادعة تراعي مرتكزات الدولة المدنية، وتحافظ عليها من عبث العابثين وطمع الطامعين وانقلاب المنقلبين.
أما حملة المباخر الذين يريدون منا الإيمان بما يتوهمون، وأن دولا يهللون لها بعينها، ديمقراطية، وأهلها ينعمون بحرية وديمقراطية وحق الفكر والمعتقد، وننسى أن فيها يسجن الشعراء والمفكرون، وأصحاب الرأي الآخر، فقد خاب مسعاهم، وسقط القناع الذي كانوا يتوارون خلفه، وأثبتت الأيام والشهور والسنوات الماضية دور تلك الدول الوظيفي في الزعزعة والتخريب.
الديمقراطية وحق الشعوب في الحياة حق مقدس، كما أن الاختلاف في وجهات النظر، فعل ديمقراطي، ولكني أرفض في الوقت عينه الهيمنة والاستعمار تحت أي عنوان، وتحت أية ذريعة، كما أرفض أكل الأكباد، ومنع الباليه والسينما والمسرح والفنون تحت أي عنوان، فالديمقراطية لا تعني نفي الآخر ونبذه ومطاردته، وإنما هي في الوقت عينه رأي ورأي آخر، ولهذا أجدني مؤيدا للمفكِر الفرنسي فولتير عندما قال: "قَد أختلِف مَعَكْ في الرأيْ .. ولكِني أدفَع عُمري لتقولَ رأيَك".
ختاما.. لماذا لا نقف جميعا أمام المرآة، ونسأل أنفسنا، هل نحن ديمقراطيون، وهل نتقبل الآخر، وهل نريد دولة مدنية يكون الدستور المدني الحضاري والقوانين التي تعنى بحرية الرأي والفكر والمعتقد أساس عملنا، أم أن بعضنا يريد ديمقراطية لمرة واحدة فقط توصله إلى الكرسي ومن ثم يضع خلف الشمس من ينادي بها.
jihad.mansi@alghad.jo
"الغد"