القطيعة الثورية وتهاوي الربيع المصري
د.مهند مبيضين
30-06-2013 02:51 AM
يشير كُتّاب علم السلطة المعاصرون إلى أن أي سلطة انسانية هي عُرضة للتقهقر، وتنطوي ممارساتها على عنصر الخطورة، وهناك امكانية أن تقاوم على الداوم ممن هم خاضعين لها، أما قدامى منظري السلطة أمثال جان جاك روسو فأشاروا إلى أن القوي ليس قوياً بما يكفي حتى يظل سيداً باستمرار، ما لم يحوّل قوته إلى حق والطاعة إلى واجب اعتراف بعدالة حكمه. الطاعة عند منظري السلطة انتهت كرابط يحكم علاقة الأفراد بالحكم المعاصر، والحكم مع أنه يعيش على فكرة الطاعة، إلا أن المواطنة تمنح الحكم الاعتراف به وليس قبول طاعته هو الغاية، أما السلطة الثورية ومقولات الشرعية الثورية فلا قيمة لها مع تبدد الحلم الثوري بالعدالة في ظل الاستحواذ على القرار والهيمنة عليه. لكن المجتمع ما دام يميل للتصدع والتفكك، فمعنى هذا أنه رجع إلى مرحلة ما قبل الثورة، وهي مرحلة تاريخية من التململ وهي مسبقة وتعتبر شرطا للوصول إلى حالة من اليقين الجمعي اللازم لتكوين شرعية القطيعة مع خيبة الثورة التي تحققت، وبالتالي العودة عنها، وهو ما يصلح القياس عليه في الحالة المصرية، ذلك أن الثقة التي توحي بها السيطرة الشرعية والقائمة على الوضوح والقوننة والكفاءة الموضوعية والانتظام هي ثقة كافية لدعم شرعية النظام، أما غياب هذا النوع من المسار في بناء الثقة فخطره يتعدى الرئيس او السلطة الماثلة؛ لأنه يؤدي إلى تقويض دعائم الدولة وبخاصة بعد تمأسس المنزع الثوري في المجتمع.
في الراهن المصري تتجسد كل تلك المخاوف إذ عاد المكبوت وعادت الأسئلة التي جعلت المصريين كمجتمع يظهرون أكثر من مجرد ثوار ساحات وميادين، بقدر ما يمثلون مجتمع يرفض الاستحواذ على السلطة بالشكل الذي عمل لأجله إخوان مصر، أو بالشكل الذي أداروا به الدولة، أو بطريقة الخطاب الذي يتبنونه من اجل الحكم، أو حتى في تكوين فكرة أنصار الثورة وحمايتها والتعلق بحماها كما تظهر يافطات الميادين فيرابعة العدوية وغيرها، هناك ثقة تتبخر ومخاوف على الدولة برمتها، وفي الثورة المصرية اليوم عودة لنداء الجيش ليتدخل في السياسية وينقذ الدولة وليس الثورة، وكل ذلك كافٍ ليؤسس لحالة من القطيعة الثورية.
مسعى المصرين الثائرين اليوم في ثورة ما بعد الثورة، يلائم ما حصل في كثير من الثورات في التاريخ القديم مع الرومان ومع الفرنسيين والأميركان في الأزمنة الحديثة، في ذاك التاريخ الثوري العالمي وقع الثوار تحت وطأة الخيال الأسطوري وحتى تكتمل الثورة كان عليها أن تلتحف على التوالي بثوب الجمهورية، وهو ما لم يصنعه شيوخ مصر وإخوانهم أويحاولون اقناع الناس يالمضي إليه. لقد قادوا مصر لدولة الحزب وليس للجمهورية. كانت روما المنبعثة من الموت وكذلك باريس المنبعثة من الاستبداد تدركان أن الجمهورية حلٌ لازمة السلطة، وهي شرط تاريخي لخلق الدولة الجديدة، لقد رأوها فعل خلق، أما في مصر فرأوا الثورة فعل استحواذ، وفي الحالة الرومانية والفرنسية كونت الثورة المجتمع الأكثر نبالة وحرية وتعددية، وهو ما سارت عليه لاحقاً واستلهمته الثورة الأميركية.
في مصر لجأ مرسي للتكرار، والتقليد، ولجأ المجتمع للأنموذج المفقود المبحوث عنه والذي أرخى بظله على وعي المصريين طوال القرن العشرين والذي عرفوا فيه كل الشخصيات الوطنية في تاريخهم الوطني من خارج «حوطة» الإخوان، ومنهم مصطفى كامل وسعد زغلول وطلعت حرب وعبد الناصر وكريم مختار الذي أبدع في تخيل قوة مجتمعة عبر تمثال نهضة مصر الجاثم اليوم في أهم ميادين وشوارع القاهرة، والذي لم يجسد شخصية فرد أوزعيم ما، بل جسد فيه تكوين الأمة المصرية؛ ما يجعل التماهي مع الأبطال القدامى مشروعاً، ذلك أن الرجوع إلى الماضي هو اللغز الذي يجعل الحي يتمسك بأنموذجه الميت، ويجعل الماضي يستولي على الحاضر، فتنشأ دعوة جديدة للقطيعة مع الثورة، وبالنهاية تتهاوى الأحلام وهو ما يحدث في مصر اليوم.
Mohannad974@yahoo.com
الدستور