بعكس ما قرأه في مكتبه في القاهرة الكاتب الصحفي العربي الكبير محمد حسنين هيكل في الساعة الخامسة والنصف من صبيحة اليوم التالي لخطاب رئيس بلاده محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين مساء الخميس الموافق 27/6/2013 ومفاده بأن (مصر تموت كما سوريا)، وهو ما أحدث قلقاً واضحاً وشديداً لديه، فإن مصر باقية حية، وستبقى "أم الدنيا" وإن تراجع دورها السياسي بعد ثورة 25 يناير 1911 الشعبية التي انطلقت وبقوة من وسط ميدان التحرير احتياجاً على تراجع الاقتصاد وبسبب قدوم نظام الإخوان أيضاً واكتشاف مواطن الفساد الكبير، فلمصر التي سميت بمصرايم أي البسيطة الممتدة أو البلد أو كميت أو كمى أي الأرض السوداء تاريخ عريق يعود لـ 250 ألف سنة ق.م حيث عاش إنسانها، وكان الملك مينا 3100 ق.م هو أول ملوك وادي النيل، وفي عهد قدامى الملوك أمثال زوسر وهرم سقارة وخوفر بنيت أهرامات عجائب الدنيا السبع، وفيها سكن الهكسوس والإغريق (1786-332ق.م) وفتحها عمرو بن العاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (639م)، واعتبر الوالي العثماني محمد علي باشا مؤسساً لمصر الحديثة لما قام به من إصلاحات عريضة من أهمها بناء جيش مصر القوي، واكتسبت مصر في تاريخها مكانة جيواستراتيجية عندما حفرت لنفسها قناة السويس عام 1869 في عهد الخديوي إسماعيل، وسبق لها أن غرقت بالديون فوقعت تحت الحمايتين العثمانية والبريطانية، ونهضت مصر من جديد واستقلت عام 1922 عن المملكة المتحدة بعد ثورة 1919، وألغت معاهدة 1936 البريطانية عام 1951، وبينما كان أحمد فؤاد الثاني آخر ملوكها أعلنت الجمهورية عام 1953، وأصبح اللواء محمد نجيب قائد تنظيم الضباط الأحرار أول رئيس للجمهورية ومجلس قيادة الثورة، ثم تلاه جمال عبد الناصر صاحب اتفاقية الجلاء مع بريطانيا ومنح السودان حق تقرير المصير، وفي عام 1958 توحدت مصر وسوريا تحت مسمى الجمهورية العربية المتحدة وانهارت الوحدة عام 1961، وأنشئ السد العالي 1970، وواجهت مصر عبد الناصر هجوماً إسرائيلياً في وقت هي خططت فيه لتحرير فلسطين التاريخية وأشركت سوريا والأردن وكانت النتيجة غير المحسوبة بدقة ضياع كامل فلسطين والجولان وسيناء، وفي عهد محمد أنور السادات 1973 دخلت مصر حرب الاستنزاف لتحرير ما سبق لإسرائيل احتلاله زجت فيها من جديد سوريا والأردن وكانت النتيجة تحرير مدينة القنطيرة الجولانية السورية، ثم قرر السادات وبسلام انفرادي مصري مع إسرائيل إعادة سيناء عام 1982 بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1979، واغتيل على أثرها السادات عام 1981، وجمدت عضوية مصر من الجامعة العربية حتى عام 1989.
الأيام في مصر كما السياسة لا تتوقف عند حدث معين واحد، فكما أجبر حسني مبارك على الرحيل بسبب الفساد سيرحل سي مرسي ليس لنظافة يده ونظامه الأخواني الجديدة ولكن لارتكابه سلسلة من الأخطاء الإدارية والسياسية المتلاحقة وفي فترة زمنية لا تتجاوز العام من أهمها إقالة النائب العام والتدخل في شؤون السلطة القضائية بحجة تأخير تحريك قضايا ذات علاقة بالفساد الكبير حس بخطابه الطويل والممل الأخير، ولسوء إدارته الأزمة الاقتصادية في بلاده ذات المساحة المليونية وعدد السكان الذي يقترب من المائة مليون نسمة، ومواصلته استدانة 12 مليار دولار وإضافتها لديون خزينة الدولة في عهد مبارك، (كانت الديون 34.4 مليار دولار وأصبحت 45.4 مليار دولار حسب أحمد السيد النجار رئيس الوحدة الاقتصادية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية)، ولفشله في مساعدة سوريا الشقيقة في الخروج من أزمتها الدموية وشروعه بإغلاق العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية معها وبأعصاب باردة دون أن يكلف نفسه عناء المطالبة بتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية لمعرفة المسببات الرئيسية للأزمة التي بدأت إصلاحية وعولجت أمنياً وعسكرياً بدلاً من معالجتها سياسياً بكل الأحوال في وقت حافظت فيه على علاقة حميمة مع إسرائيل ودعمها برسالة مودة لشيمون بيريز الرئيس الإسرائيلي وواصلت تصدير الغاز إليها، ولتشكيله حلفاً سياسياً مع السعودية وتركيا وسط الشأن السوري لمواجهة حلف قطر العربي والتركي والفرنسي والأمريكي والإسرائيلي ولمحاولة استرداد زمام زعامة مصر للوطن العربي في زمن مبارك وهو في أوج عطاءه، ولرعايته لمؤتمر (نصرة سوريا) كما يقول المعارض الأردني البارز ليث شبيلات، والتطاول على عدد من شيعة مصر، ولدعوته شباب بلده للجهاد في سوريا علناً ومن دون احتساب حقيقي للنتيجة.
الأحد 30/حزيران يوم حاسم وميدان تحرير جديد قد يقود مصر إلى فوضى جديدة وإلى طريق متهور نحو المجهول، وخطاب مرسي الأخير جاء منبهاً ومحذراً ويحمل حدس استباقي لمستقبل معتم حالة حرص الشارع المصري المليوني على الإطاحة به وبنظامه الإخواني وبدمقراطيته المذيلة بالوعود، بينما نستمع لأصوات مصرية في شوارعنا الأردني تطالب بنظام سياسي برلماني جديد يقوده وزير الخارجية الأسبق المعتدل عمرو موسى، وصمام الأمن والأمان في مصر الآن وإلى الأمام هو الجيش المصري وجهاز المخابرات العامة والقضاء المستقل أيضاً، ولا يجوز لمصر أن تتراجع إلى الوراء وتبتعد عن دورها القومي بحجة تمسكها بالخط السياسي الديني المنغلق على نفسه في بوتقة حزب واحد أو لحاجة لحل قضاياها الداخلية فقط، وما نريده منها هو أن تتحول لمظلة قائدة لكل العرب توصلهم لنظام فدرالي ربما يوحدهم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ويقودهم لسلام عادل وشامل خاصة وقضايا العرب الأساسية لا زالت عالقة والتي على رأسها القضية الفلسطينية ومشروع دولتها وعاصمتها القدس الشرقية مع ضمان حق العودة والتعويض والمحافظة على عروبة فلسطين التاريخية وإخلاء المستوطنات من سكانها اليهود الرحل، وإيجاد مخرج ناجح لأزمات الربيع العربي التي أصابت بلدانا عربية مثل العراق وسوريا وليبيا وتونس، وإعادة بناء الجامعة العربية على أسس جديدة تكفل تأسيس صندوق مالي عربي يضخ المال تجاه الدول الفقيرة وسطنا كعرب، ويعمل على الاستثمار في المال في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد المختلفة، وتعمل على إعادة توزيع خيرات المصادر الطبيعية من نفط وغاز وغيره بتوازن على العرب، وعلينا أن نأخذ العبرة من الاتحادات الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ومن الفدرالية الروسية.
الرأي العام المصري الجماهيري المليوني وضع سلطة الأخوان أمام امتحان يصعب عليها تجاوزه بسهولة، وهي تقع الآن بين فكي الرموز المعارضة من وسط نظام مبارك السابق، وبين الشارع المصري نفسه المنقسم الموالي للإخوان ولرموز من نظام مبارك ولباحث عن الجديد، ومصر اليوم لا يمكن تأجيل مستقبلها لدقيقة واحدة، ولا لوضعها أمام التجارب السياسية والاقتصادية والأخطاء المتكررة والاعتدال في السياسة وتحريك عجلة الاقتصاد إلى الأمام والابتعاد عن الديون الخارجية والبحث عن إحياء نظام اقتصادي عربي متوازن استراتيجي ثابت وملزم قانوناً هو المطلوب الآن، ولا بد لمصر أن تعود لقيادة الأمة العربية من جديد من وسط أيدولوجيا سياسية مختلفة ومعتدلة لا متطرفة ولا عدمية .