بدأت الثورة المصرية الثانية المنتظرة في 30 حزيران المقبل، مبكرا عن موعدها؛ فمن الواضح، إذاً، أن المصريين متشوّقون للخلاص من حكم الإخوان المسلمين، ومن رئاسة محمد مرسي الذي أثبت، مرة بعد مرة، أنه غير كفؤ، على المستوى الشخصي، بمنصب الرئاسة، أما السياسات والقرارات الرئاسية، فهو، في الواقع، غير مسؤول عنها، لأنها من صنع مكتب الإرشاد.
ولعل هذين أن يكونا خطئا الإخوان المسلمين ابتداءً؛ فلو أنهم اختاروا شخصية لائقة بالمنصب، وتركوا لها حرية ممارسة الحكم، لربما كانت تجربتهم الرئاسية أقل سوءا. لكن المشكلة الإخوانية الجوهرية تظل تكمن في أنهم أتوا إلى الحكم في سياق التفاهم مع الأميركيين. وهو تفاهم قام على نقطتين: (1)عدم المساس بمعاهدة كامب ديفيد واستمرار العلاقات والتنسيق مع إسرائيل، و(2) عدم المساس بنهج الخصخصة واقتصاد السوق المعولَم وحرية التجارة والرأسمال والبزنس والخضوع لمتطلبات صندوق النقد والبنك الدوليين الخ.
خسر "الإخوان"، في النقطة الأولى، كل ما جمعوه من تأييد وهيبة قاما على ادعائهم مقاومة الاستكبار الأميركي وكامب ديفيد والتطبيع الخ، وخسروا، في النقطة الثانية، الفئات العمالية والشعبية الطامحة إلى مشروع تنموي وطني ينتشل الأغلبية من الفقر والتهميش.
وبذلك، لم يعد ممكنا التمييز بين النظام الإخواني والنظام المباركي في السياسة والاقتصاد، وإنما في الكفاءة. وقد ظهر أن "الإخوان" أقل كفاءة في إدارة الدولة، إلى درجة مؤسفة.
بالنظر إلى ثقافتهم، من جهة، وما لاقوه من اضطهاد، من جهة أخرى، لم يبن أعضاء الإخوان قدرات ثقافية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية ، وإنما ركّزوا على دراسة العلوم الطبيعية والمهن العلمية؛ فالعلوم الطبيعية لا تشتمل على تحد فكري كالعلوم الانسانية والاجتماعية، والمهن تضمن العيش الكريم، ولكنها تحدّ، غالبا، من القدرات الفكرية والثقافية. وهكذا، فإن حزب الاخوان المسلمين تقدم لقيادة الدولة المصرية بدون كفاءات. أما رجال الأعمال من "الإخوان"، فهم تجّار أو وكلاء تجاريون، أي أنهم ينتمون إلى الفئات الكمبرادورية بالذات. وهي أسوأ أجنحة الطبقة البرجوازية.
في ظل العجز عن تغيير السياسات القديمة، والعجز عن إدارتها بالكفاءة اللازمة، غرقت مصر في أزمات حادة متفاقمة، لم يتورّع "الإخوان" عن مواجهتها بأشكال شتى من العدوان على المؤسسات وتطنيش القانون واحتكار السلطة وإقصاء التيارات الأخرى والتحايل والتزوير والتجييش الديني والطائفي، وفرض الرأي بقوة الإدارة؛ فاصطدموا مع الجميع، الشباب والنساء والطبقة الوسطى والقضاء والأحزاب والإعلام والتيارات التقدمية والليبرالية الاجتماعية والصوفيين ( 15 مليونا) والمسيحيين (10 ملايين)، وتحوّلوا إلى العزلة السياسية، ولا سند لهم إلا المليشيات والدعم الأميركي.
لا تزال واشنطن تصر على دعم "الإخوان" بسبب مخاوفها من نشوء نظام قومي معاد لإسرائيل، كما أن الغرب الرأسمالي يخشى عودة نمط تنموي من الناصرية الاقتصادية ـ الاجتماعية، يطيح بالكمبرادورية المصرية، وتاليا العربية.
الرأي الأميركي السائد هو أن الثورة الحالية ضد " الاخوان" هي ثورة علمانية اقصائية. وربما يكون هذا صحيحا بالنسبة للأقلية، ولكن أسباب الثورة، بالنسبة للأكثرية، لا تتعلق بالبعد الثقافي وإنما بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والديموقراطية الخ.
الثورة المصرية ضد " الإخوان المسلمين"، تنطوي، في مضمونها، على ثورة عربية شاملة؛ فلقد سقط الإخوان في الامتحان التنموي والديموقراطي، ولم يعد بإمكانهم الادعاء بالشعارات السابقة ولا بالقدرة على الاصلاح؛ لم يعد لديهم سوى الجهاد في سورية مع الإرهابيين ومليشيات الاستخبارات الأجنبية.
nahed.hattar@alarabalyawm.net
العرب اليوم