مصر تخطو إلى المجهول مرة أخرى
28-06-2013 08:59 PM
عمون - (رويترز) - يقول القائد العام للقوات المسلحة في مصر إن بلاده تنزلق إلى "نفق مظلم".. وقد تحدد طريقة تعامله مع مواجهة سياسية حاسمة مرتقبة في الشوارع مصير الديمقراطية الوليدة في البلاد.
وجه وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي في بداية الأسبوع تحذيرا كان بمثابة جرس انذار لطرفي الصراع السياسي.. الرئيس محمد مرسي وحلفاؤه الاسلاميون من جانب وجبهة من الليبراليين وقطاع عريض من المصريين المحبطين جراء الركود الاقتصادي من جانب آخر.
لكن القفاز المخملي الذي غلف كلمات السيسي وهو يحث السياسيين على التوافق وحقن الدماء لم يخف قبضة حديدية يمكن أن تتدخل وقت اللزوم حتى رغم المصداقية الواسعة التي نالها حديثه وهو يؤكد أن قادة الجيش لا يرغبون في العودة لإدارة شؤون البلاد.
غير أن هناك شيئا شديد الوضوح.. ألا وهو غياب التوافق الذي دعا السيسي إلى الوصول إليه هذا الأسبوع. ولم تلق دعوة غير واضحة المعالم من مرسي للحوار صدى لدى المعارضة.
ومن ثم فإن تدخل الجيش -بقواته البالغ قوامها نصف مليون جندي وعتاده الذي تموله الولايات المتحدة وفي ضوء الدور الذي لعبه على الساحة السياسية خلال الستين عاما الماضية- يتوقف الآن على تطور الأحداث خلال الأيام القليلة المقبلة في المناطق الساخنة مثل ميدان التحرير وقصر الاتحادية الرئاسي بالقاهرة وفي شوارع عشرات المدن الرئيسية الأخرى في سائر أنحاء البلاد.
وأعداد المتظاهرين مسألة لها ثقلها وكذلك وقوع عنف.
يقول كلا الجانبين إنهما يشعران بالارتياح لتعهد السيسي بالدفاع عن "إرادة الشعب". ويعني هذا للاسلاميين الرئيس الذي اختير بحرية إثر سلسلة انتخابات فازوا فيها على معارضة تفتقر لقيادة موحدة.
لكن معارضي مرسي يعتقدون أن بوسعهم حشد الملايين للاحتجاج خاصة يوم الأحد الذي يوافق ذكرى مرور عام على تنصيب مرسي لاظهار أن الارادة الشعبية تكمن في مكان آخر.. تماما كما فعلوا عندما تفجرت انتفاضتهم في أوائل عام 2011 وأقنعت الجيش بأن أيام الرئيس السابق حسني مبارك في السلطة قد ولت.
ولا يظن كثيرون أن السيسي وجيلا جديدا من القادة الذين عينهم مرسي يريديون الهيمنة على السلطة لفترة طويلة في انقلاب كامل للجيش الذي يكن له كافة المصريين تقريبا منتهى التقدير.
لكن يبدو أن العديد من خصوم الاسلاميين مستعدون للترحيب بتدخل الجيش لفترة قصيرة لتغيير المسار الذي سلكته الانتفاضة ومنح فرصة ثانية للمساعي الرامية للتوصل لإطار عمل مؤسسي لانهاء حالة الجمود السياسي.
أما مسألة إقدام الجيش على هذه الخطوة فتتوقف على عاملين رئيسيين.. الأول تحدث عنه السيسي صراحة عندما أشار إلى احتمال وقوع عنف. فإذا ما سالت دماء ودارت اشتباكات فقد يتذرع قادة الجيش الذين نشروا قواتهم في المدن الرئيسية بالفعل "بالأمن القومي" وفشل الحكومة في حفظ النظام.
وقال مصدر عسكري لرويترز أمس الخميس إن الجيش وضح موقفه حين أشار إلى أنه لن يسمح بالعنف ولن يقف مكتوف الأيدي إذا بدا أن الأمور تخرج عن نطاق السيطرة. وأضاف أنه لا يبدو أن أحدا من زعماء الجانبين قادر على السيطرة تماما على أنصاره.
أما العامل الثاني وهو أقل وضوحا فيتمثل في كيفية تفسير الجيش للإرادة الشعبية. ففي حين أثارت واشنطن التي تقدم الدعم للجيش المصري غضب المعارضة عندما حثت على قبول نتائج الانتخابات التي جلبت مرسي للسلطة أنصت الجيش لصوت الشارع من قبل عند الاطاحة بمبارك.
واختفى من الساحة سريعا عدد من الحركات الاحتجاجية منذ الانتفاضة. لكن هذا عامل لا يمكن استبعاده. وتقول حركة تمرد إنها جمعت 15 مليون توقيع لسحب الثقة من مرسي مما يعزز احتمال مشاركة كثيرين في الاحتجاجات.
وذكر المصدر العسكري أن المشاركة الواسعة في الاحتجاجات على غرار ما حدث عام 2011 عندما خرج الملايين على اختلاف مشاربهم إلى الشوارع قد يدفع مرسي للتنازل "إذا ما تجاوزت أعداد المتظاهرين ما كانت عليه وقت الثورة. ساعتها ستتغير مواقف الجميع."
وأردف "لن يتمكن أي طرف من الوقوف امام إرادة الشعب...على الأقل لفترة طويلة."
وقال الكاتب الصحفي البارز محمد حسنين هيكل الذي تربطه صلات وثيقة بالجيش في مقابلة تلفزيونية إن الجيش قلق من غياب الرؤية للمستقبل بين الساسة مضيفا "الجيش مع الشعب دائما" سواء عبر عن ارادته من خلال صناديق الاقتراع أو بطريقة أخرى.
ويصعب على الكثير من المراقبين المستقلين الجزم بما ستؤول إليه المواجهة المرتقبة.
ولا يبدي أي من الجانبين استعدادا للتنازل.. فمرسي وجماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها يتحدثون عن الشرعية التي منحتها الانتخابات للرئيس ويطالبون معارضيهم بمنازلتهم في الانتخابات الجديدة عندما يحين وقتها والمعارضون يطالبون مرسي بالاستقالة وافساح الطريق لسلطة مؤقتة تعيد ضبط كافة القواعد قبل اجراء انتخابات جديدة.
وقال ناثان براون الخبير في المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر في جامعة جورج واشنطن والذي زار مصر هذا الشهر "مطالب الجانبين تكاد تصل للحد الأقصى لذا أرى امكانية حدوث مواجهة حقيقية... وقوع أحداث عنف أمر وارد."
وأضاف "حتى وإن حدث تدخل عسكري فمن غير الواضح كيف أو هل سيحل شيئا."
وخصوم جماعة الاخوان المسلمين يتهمونها بالتظاهر بالعمل من أجل الديمقراطية بين هي تسعى لترسيخ أقدامها في مؤسسات الدولة تماما كما كانت تفعل دائرة مبارك. أما مرسي وحلفاؤه فيتهمون الكثيرين في أجهزة الدولة ووسائل الاعلام بإفساد جهودهم.
ومما يزيد الشكوك في قدرة الحكومة على منع ذلك العنف الذي من شأنه أن يدفع الجيش للتدخل وجود مشاعر مناهضة للاسلاميين في الشرطة وغيرها من أجهزة الأمن التي قادت معركة مبارك ضد الاسلاميين لعقود.
وقال مصدر داخل أحد أجهزة الأمن المحلية لرويترز هذا الأسبوع إن كثيرين في الجهاز الذي يعمل به يأملون في حدوث مواجهة عنيفة تسفر عن إسقاط حكم الاسلاميين.
وتابع "هناك معركة قادمة بيننا وبين الجهاديين... نحن بحاجة لتطهير البلد منهم.
"وستنضم الينا المزيد من أجهزة الدولة بمجرد أن ترى العنف الذي يفجره هؤلاء الارهابيون."
ورغم أنه يستحيل التحقق من مدى انتشار مثل هذا الكلام داخل أجهزة الأمن فإنه يدعم ما تردده حكومة مرسي من أن عملاء محرضين ينتمون للنظام السابق يقفون وراء اشتباكات وقعت مؤخرا.
ومن غير الواضح أيضا مدى السهولة التي يمكن للجيش أن يخمد بها أي اعمال العنف.
فقد اعتمد مرسي بصورة متزايدة على مساندة فصائل اسلامية أكثر تشددا بينها الجماعة الاسلامية وهي حركة قضت سنوات تقاتل النظام القديم وتربطها صلات بتنظيم القاعدة. وتحدث زعماؤها الذين خرج كثير منهم من السجن بعد الانتفاضة عن استعدادهم لحمل السلاح دفاعا عن الرئيس.
وقال ناثان براون إن أي تحرك للجيش من شأنه اخراج الاسلاميين ثانية من الصورة قد يكون داميا. وأضاف "إذا وصل الأمر إلى حرمان الاسلاميين من السلطة السياسية سيقاتل الاخوان ربما بدعم من الجماعة الاسلامية."
وأضاف "وهذا قد يكون في غاية الشراسة... لكني لا أرجح قيام الجيش بانتزاع السلطة بالكامل. فهناك أمور أخرى كثيرة يمكنه أن يفعلها دون أن يصل إلى هذا الحد."
ويعتقد ياسر الشيمي محلل الشؤون المصرية بمجموعة الازمات الدولية في القاهرة أن أقصى ما يمكن أن يفعله الجيش هو استخدام قوته لاجبار الجانبين على التوصل الى تلك التسوية التي تحدث عنها السيسي خلال التحذير الذي وجهه يوم الأحد الماضي.
وقال "حتى وإن كانت الاحتجاجات ضخمة ووقعت أحداث عنف بالغة السوء... إذا تدخل الجيش فإنه لن يجبر مرسي على الاستقالة أو يدعو لانتخابات رئاسية لكنه سيحاول طرح حلول وسط فيما يخص الدستور والحكومة لارضاء جميع الأطراف."
لكن مثل هذه الحلول الوسط لن تكون سهلة لاسيما إذا سال المزيد من الدماء.
قال دبلوماسي غربي كبير في القاهرة "الوصول إلى حل سياسي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم... وكلما زاد حجم نشاط الجيش كلما ضعفت المؤسسات المدنية. ستضيع الشرعية."