النمري : الاستراتيجية الإعلامية قرقعة يثيرها التحريك في طبخة الحصى
جميل النمري
05-01-2008 02:00 AM
ثار الحديث أخيرا عن موضوع لم نعد نكتب فيه لفرط ما تقلّب على موائد الحوار في الوسط الإعلامي ومؤسساته ولدى الحكومات المتعاقبة، ونعني "السياسة الإعلامية".بعد إلغاء وزارة الإعلام أصبح عندنا عدّة مؤسسات ترتبط بعلاقة مباشرة مع رئاسة الوزراء وهي المجلس الأعلى للإعلام ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الأردنية "بترا" ودائرة المطبوعات والنشر وهيئة المرئي والمسموع وأخيرا المركز الأردني للإعلام. وظلّ رئيس الوزراء السابق د. معروف البخيت يشكو من هذا العبء وطرحت تصورات مثل ربط بعضها بوزارات قريبة لها، وانتهى عمر الحكومة من دون الوصول الى حلّ. ومع الحكومة الجديدة تمّ استحداث منصب وزير الدولة لشؤون الإعلام وكان انطباعنا أن هذا سيحلّ المشكلة بربط المؤسسات بوزير دولة في رئاسة الوزراء بدل أن تنتهي كلها ومعاملاتها وتوقيعاتها عند دولة الرئيس المشغول بألف قصّة أخرى وبهذا المعنى فهو حل لمسألة إدارية وليس عودة مبطّنة الى وزارة الإعلام.
لكن الوزير الجديد وصديق الإعلاميين الأستاذ ناصر جودة بدأ يتحدث عن "استراتيجية إعلامية" وهو تعبير أكثر فخامة من السياسة الإعلامية كان يتمّ تداوله من حين آخر. ويبدو أنه طرح في لقاء الوزير أخيرا مع مدراء المؤسسات الإعلامية الرسمية ورؤساء تحرير الصحف اليومية وهو ما تناوله مقال الزميل جورج حواتمة أول من أمس.
والاستراتيجية الإعلامية كما يوحي التعبير تتجاوز المسألة التنظيمية أو إعادة الهيكلة وفق تعبير آخر، للمؤسسات الرسمية الى الأداء العام للإعلام، ومن تجربتنا فإن هذا لن يعني سوى بعض الضجيج أو القرقعة التي يثيرها التحريك في طبخة الحصى. فأدبيات المجلس الأعلى للإعلام مترعة بالنصوص عن الاستراتيجية الإعلامية، وفي النهاية فإن الأشخاص في مواقعهم يقررون المنتج الإعلامي.
شأن الحكومة أن تضع لنفسها استراتيجية إعلامية، أي أن ترسم لنفسها خطّة وأسلوبا وآلية عمل مناسبة لخدمة برنامجها وأهدافها. والأصل أن هذه بالذات كانت مهمّة المركز الأردني للإعلام، فقد كانت الفكرة أن تتصرف الحكومة مثل أي شركة أو مؤسسة تتحمل هي مسؤولية تسويق نفسها بصورة ملائمة لدى المنابر الإعلامية المختلفة الخاصّة والعامة، بدل التدخل اليومي أو الغضب والعتب على هذه المؤسسة الإعلامية أو تلك لأنها لا تقدم الموقف الحكومي كما يجب فيعيش كادر الإذاعة والتلفزيون على الدوام "مرعوبا" وفق تعبير للرئيس السابق عبدالرؤوف الروابدة.
الآن تقرر إلغاء المركز الأردني للإعلام ولا ندري إذا كانت هناك أفكار أخرى، وأية فكرة ذات بعد تنظيمي ستحتاج لتعديلات على القوانين ستأخذ وقتا طويلا لنكتشف كم إن أثرها العملي كان متواضعا، ولعلهم محتارون بشأن المجلس الأعلى للإعلام الذي تقرر ولحين البتّ بمصيره استثماره لتكريم كبار متقاعدي الصحافة بعضويته.
منذ زمن وأنا أقترح للمجلس الأعلى للإعلام صيغة أكثر عملية لا تحتاج لتعديل قانونه بجعل عضويته مناصفة من مدراء - وربما الأصح رؤساء مجالس إدارة - المؤسسات الإعلامية العامّة وممثلين عن القطاعات الإعلامية الأهلية، وهو لن يكون بذلك سلطة إدارية وتنفيذية بل ندوة تمثيلية ذات سلطة معنوية لمراجعة شؤون الإعلام والسهر على التوازن بين الحرية والمسؤولية، إضافة الى وظائف أخرى نصّ عليها قانونه مثل تلقي الشكاوى والتحكيم والتدريب.
قلنا إن زميلنا الأستاذ جورج فتح شهيتنا للحديث ولم نقصد أن نستبق أو نحبط معالي الوزير وهو بعد لم يفرغ ما في جعبته، وهي قد تتضمن أشياء طيبة.