مقالة (3)
معروفة ومشهورة قصة ملكة فرنسا ماري انطوانيت مع خبز الفقراء . كان ذلك في الربع الثالث من القرن الثامن عشر عندما أطلت من شرفات قصرِ فرساي على الجماهِير الفرنسية الغاضبة وهي تنادي "نريدُ الخبز، نريدُ الخبز!!" . سألت كبير خدمها قائلة ً: لماذا يريدُون خبزاً؟ فأجابها: لأنهم لا يستطيعُون شراءه يا صاحبة الجلالة ! فردّت عليه بقمّة اللامبالاة والجهل باحوال الناس كما تربت: " وما المشكلة ؟ إن لم يجدوا خبزاً دعهم يأكلون البسكوت "!
والطريف أيضا أن تاريخ فرنسا أعاد تكرار ذات السيناريو في القرن العشرين ،عندما قام ديجول رئيس جمهورية فرنسا بإجراءات تقشفيه على الميزانية أدت إلى انخفاض أسعار الكماليات مثل الكافيار والفرو في حين تم قطع المساعدات عن المزارعين وشركات الأطعمة فترتب على ذلك ارتفاع أسعار الخبز واللحم واللبن وتحوّلت الميزانية لصالح آكلي الكافيار على حساب آكلي الخبز، وكأن رئيس الدولة آنذاك أراد من الفلاحين أن يستبدلوا الخبز بالكافيار...!! قريبا من حال مسؤولينا اليوم وهم يجرون التجارب المخبرية على المواطن الاردني بدون كلل او ملل ودون أن يرف لهم جفن .


إن انفصال المسؤول الاردني عن واقع الشّعب وجهلهِ التّام بما يدور في الشارع المحلي أصبح مضرب الأمثال؛ ففي سابقة من نوعها انفردت حكومة عبدالله النسور - قياسا بتاريخ طويل من الحكومات معظمها قصير الأجل - باجتراح مجموعة من القرارات والتصريحات والتهديدات ثقيلة الوطء أثارت جدلاً واسعاً بين أطياف المجتمع الأردني تمهيدا لاستكمال رفع الدعم عن اساسيات الحياة والقوت تمس المواطن وابنائه. وفي حملات الترهيب والترعيب التي كان يراد منه تخيير الناس بين ان يموتوا من الجوع او من البرد جرى تخويفهم بقرب افلاس البلد وعدم القدرة على دفع الرواتب . ولم يجد رئيس الحكومة يومها من وزرائه من يذّكره بارقام المساعدات التي وصلتنا بالمليارات منذ بداية السنة ، هذا القفز القصير فوق الذاكرة الرقمية للناس رافقته ارقام اخرى عشوائية بموجب القناعة انه لا يوجد في البلد من يعرف ان يحسب؛ فجميع نسب الارتداد السلبي لقرات رفع الدعم كانت تتراوح ما بين 70% - 90% في الهامش الاخضر السليم :

رفع الدعم عن المحروقات قيل أنه لن يؤثر على 70% من الشعب الأردني..!! ورفع اسعار الكهرباء لن يؤثر على 80% من المواطنين وربما خسارة منتخبنا الوطني أمام المنتخب الاسترالي في تصفيات كأس العالم لن تؤثر أيضا على 90% من الشعب الأردني...! انها نفس النسب التي كانت اجهزة جمهوريات ما قبل الربيع العربي تعلنها عن نتائج فوز الرؤساء بالانتخابات او الاستفتاءات ! و السؤال الذي يطرح نفسه الآن ولم أستطع أن أجب عليه بصراحة: إذا كان 70 – 80% من الشعب لن يتأثر بتغيير الأسعار فمن سيتأثر إذن يا دولتك ؟! وهل الــ 20 – 30% الباقية من الشعب هي التي ستنقذ الدولة الأردنية من الإنهيار أو الإفلاس..!! علما بأن الشعب الأردني لا يألف أكل الكافيار حتى يعتمده بدلا من العدس المجروش أو المجدرة ...!!!


بعد أن نازعت الموازنة العامة لهذا العام بالخروج من عنق الزجاجة التي أقرها مجلس شيوخنا الموقر بنسبة نجاح ضئيلة وتمرير رفع أسعار الكهرباء من خلالها، تبدأ حكومة النسور الآن معركة جديدة بالتمهيد لرفع أسعار الخبز بحجة توصيل الدعم لمستحقيه من خلال البطاقة "الذكية ". والتبرير بأن الطحين يجري تهريبه للسعودية !!!!! وأن الرفع لن يؤثر على 90% من الشعب الأردني الذي ينبغي تعويده على ترشيد الاستهلاك وتقليص الهدر.. فعلى حد قول النسور أن المواطن الأردني يستهلك 90 كغم من الخبز سنويا ، حسب ارقام الحكومة فلماذا اذن لا يستبدل الناس خبزهم بالبسكوت الذي سيوفر هدر الطحين وتهريبه ويوقف اطعام الدجاج من الخبز المدعوم ؟ رحمة الله على ماري انطوانيت التي ساهمت بجهلها في تسريع الثورة الفرنسية ...!!!


وبهذه المناسبة؛ فقد أكد الرئيس للصحفيين الأجانب الذين التقاهم قبل أيام بانه "مطمئن" الى ان الشارع الاردني لن يشهد مظاهرات او مسيرات ردا على قرار رفع الكهرباء . ومن يومها عندما قرأت تلك التصريحات ، وحتى الان وأنا لم أتوقف عن البحث عن مصدر تلك الدراسة او الاستبيان او مسوحات الرأي التي جعلت دولته مطمئنا بان الناس لن تتظاهر غضبا...!!! قد تتذمر وتشكو لكنها حسب قناعته لن تفعل أكثر من ذلك ، مجرد حكي... !!.

لذلك فإنني الان وبعد الذي أكده دولة الرئيس أكاد أجزم أن مقالتي هذه في نهاية المطاف لن تؤثر أيضا على 99% من الشعب الأردني ...!!!


rulanassraween@hotmail.com


ملاحظة: المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب الشخصي ولا يمثل أي جهه أخرى.