من الطبيعي أن يركز البعض في تعليقاتهم وتحليلاتهم على النصف الفارغ من الكأس، وأن لا يروا إلا الأشياء الخطأ في حياتنا السياسية والاقتصادية. أما أن تصبح هذه النظرة السوداوية ظاهرة مطلوبة لذاتها، فالأمر يستحق التأمل والبحث.مما لا شك فيه أن هناك جزءاً من الكأس ليس فارغاً حتى لو كان ربع الكأس أو عُشره، ومن المؤكد أن هناك إجراءات صحيحة اتخذتها الحكومات المتعاقبة تجاه بعض القضايا، فلماذا يتجاهل هؤلاء الجانب الآخر بعيداً عن التوازن والموضوعية.
يبدو أن بعض المسيسين الذين نعنيهم يعرفون الحقائق، ويدركون أن للقضايا العامة وجهاً آخر يستحق النظر إليه، ولكنهم يقدمون البضاعة التي يريد مجتمعنا أن يستهلكها وهي الشكوى والتذمر، وعلى رأي إخواننا المصريين، الجمهور عايز كده، والطلب يخلق العرض.
عنصر الخطورة في هذا الموضوع أن تكون الظاهرة متجذرة في المجتمع لدرجة تثير رعب أي محلل يحاول أن يقدم وجهة نظر إيجابية تجاه إحدى القضايا الراهنة، وسرعان ما يدمغه المراقبون بأنه في أحسن الأحوال بوق للحكومة وفي أسوئها عميل أو منتفع.
في مناخ (إرهابي) كهذا لا يجوز أن يلام الإعلام، فالإعلامي مثل السياسي، لا يريد أن يجابه الرأي العام، أو أن ينفصل عنه، أو أن يتعالى عليه، فهو تحت الضغط لينسجم مع المزاج العام الذي يتلخص في الرفض والاعتراض والاحتجاج، ولا شيء غير ذلك من البدائل أو الحلول.
من حق من يشاء أن يرفض سياسة معينة أو قراراً أو توجهاً ما بشرط أن يكون في ذهنه بديل عملي قابل للتطبيق، فالرفض لا معنى له دون أن يرافقه قبول لشيء آخر، وإلا أصبح نوعاً من العدمية.
هذا لا يعني الإدعاء بأن الأمور عال العال، وليس بالإمكان أبدع مما كان، فالعيوب كثيرة، وتستحق النقد، ولكن بمزاج إيجابي هدفه التغيير والتعديل وليس مجرد الرفض والشجب والإدانة وتسجيل المواقف، وكسب الشعبية الرخيصة.
ما نعترض عليه هو الروحية العدمية العاجزة عن تقديم ولو رؤية لما يجب أن تكون عليه الأحوال. وما نريده أن يصدر النقد عن غيرة على مصلحة البلد والشعب، وليس عن روح الكراهية والحقد على كل شيء من موقع الإحباط الشخصي.
من أسهل الأمور أن تهدم عمارة شاهقة في يوم واحد بأن تنسفها من أساساتها، أما إعادة البناء فمسألة تحتاج للوقت والجهد والتضحية وهي بضاعة نادرة في أيامنا.