موسم التخبط - المحكمة الدستورية الكويتية
د.عادل الحياري
27-06-2013 03:11 AM
تقضي القاعدة العامة ، أن التشريع هو من مهام السلطة التشريعية ، أما مهمة تنفيذ التشريعات ، فتقع على عاتق السلطة التنفيذية . ولكن استثناء اجازت الدساتير ، الخروج على هذه القاعدة ، بأن منحت السلطة التنفيذية حق اصدار تشريعات، عندما تواجه الدولة أموراً مستعجلة لا تحتمل التأخير، في وقت لا تكون السلطة التشريعية منعقدة، ولا تكفي القوانين القائمة لمعالجة الحالة الطارئة.
وتجسيدا لهذه المسألة، نصت المادة (71) من الدستور الكويتي على انه «اذا حدث فيما بين ادوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله، ما يوجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على ان لا تكون مخالفة للدستور... « الى آخر النص.
ومن قراءة هذا النص يستبان أن حق الأمير يقوم بتوافر شروط أربعة: الأول، غياب البرلمان. والثاني، وجود حالة تحتاج الى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير. والثالث، عدم مخالفة تلك المراسيم للدستور. والرابع، يخص الاجراءات الواجب اتباعها بشأن اصدار هذه المراسيم ونفاذها وانهائها.
وما يهمنا هو توافر شرط قيام الحالة الطارئة التي تحتاج الى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير. والحالة الطارئة لا تخرج في مجملها عن نظرية الضرورة، وهي النظرية التي أسهب الفقه في شرحها، على المستويين العربي والعالمي، كما طبقها القضاء العربي والعالمي. وقد استقر الوضع في مفهوم الفقه والقضاء، أن نظرية الضرورة، لا تقوم الا في حالة حدوث كوارث عامة، كالحرب والزلزال والطوفان وما شابه.
وتقدير قيام حالة الضرورة يترك للسلطة التنفيذية في بداية الأمر، ثم يخضع الى رقابة البرلمان حينما تعرض عليه هذه المراسيم. وفي الدولة القانونية، استقر الوضع أن للقضاء حقَ بسط رقابته على ما تصدره السلطة التشريعية من تشريعات، وأيضاً على ما تصدره السلطة التنفيذية من انظمة ومراسيم ، ذلك لأن كافة السلطات، لا بد أن تخضع للقانون الأساسي، وهو الدستور.
ويتفرع عن هذا المبدأ، قيام حق القضاء في بسط رقابته على توافر شرط الضرورة، فإذا تبين أن السلطة التنفيذية قد استغلت هذه الصلاحية الاستثنائية لغير الغاية التي قصدها المشرع الدستوري، كان من حق القضاء الغاء ذلك المرسوم.
وقد ذهب القضاء للاستدلال على وجود حالة الضرورة من عدمها، الى فحص الظروف التي أحاطت باصدار المرسوم، والتحقق من الموضوعات التي لا تحتمل تأجيل اتخاذ تدابير مستعجلة – حقيقة وواقعا-
ما تقدم من كلام هو القواعد القانونية التي تحكم مسألة اصدار مراسيم الضرورة في الكويت، بسطناها اولا، لنرى مدى تماشي المرسوم الذي نحن بصدده ، من عدمه، مع هذه القواعد.
والقصة بدأت عندما تبين للأمير أن قانون الانتخاب الذي يسمح للناخب بانتخاب أربعة مرشحين يؤدي الى قيام كتلة برلمانية معارضة تفوق كتلة الموالاة . وهو ما أدى الى قيام حالة متكررة من عدم التعاون بين مجلس النواب ومجلس الوزراء وبخاصة أن الأمير ما انفك يصر على ابقاء منصب رئيس الوزراء حكرا على الأسرة الحاكمة، بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات البرلمانية. وهو الأمر الذي دفع الأمير الى حل مجلس النواب غير مرة، بسبب عدم التوافق مع مجلس الوزراء، وللخلاص من هذا المأزق وجد الأمير ضالته في قانون الصوت الواحد ، فإذا ما طبق ، فلا بد أن يحقق الأمنية المنشودة، وهي تفتيت كتلة المعارضة وشرذمتها.
وحيث أن مثل هذا التعديل لا يمكن اجراؤه من خلال البرلمان، فهناك منفذ آخر، فالمادة (71) من الدستور تتضمن حلا للمشلكة، فهي تسمح للأمير في غياب البرلمان، باصدار مرسوم يمكن بموجبه تعديل قانون الانتخاب.
وفي تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، قام الأمير - بعد مرحلة للبرلمان - باصدار مرسوم أميري، تم بموجبه تخفيض عدد المرشحين الذين يحق للناخب انتخابهم من أربعة في القانون السابق، الى مرشح واحد.
على اثر ذلك طعنت الأطراف صاحبة المصلحة ، بعدم دستورية هذا المرسوم، امام المحكمة الدستورية، وهو ما اعتبرته المحكمة في حكمها قبل بضعة أيام دستوريا. وفي اعتقادنا أن أي شخص له دراية بالقانون، سيفتي أن هذا المرسوم غير دستوري، لانه كان من الممكن عرضه على البرلمان قبل حله، وما حل ذلك المجلس الا لتوفير شرط غياب البرلمان. أما موضوع التعديل، فلا ينضوي، من قريب أو بعيد، تحت مظلة نظرية الضرورة التي بسطناها.
والملفت في المشهد، ان المحكمة حكمت بدستورية مرسوم آخر، صدر عن الأمير في الفترة نفسها، وفي الموضوع نفسه. فقد قررت المحكمة الغاء الانتخابات الأخيرة - وهو مطلب للمعارضة - على أساس عدم دستورية المرسوم الذي تم بموجبه تشكيل اللجنة الوطنية للانتخابات . وعليه فقد كان الحكم الأول بدستورية مرسوم الصوت الواحد، يرضي الأمير، وكان الحكم الثاني بعدم دستورية المرسوم الذي شكل اللجنة الوطنية للانتخابات، يرضي المعارضة ، لأنه يبطل الانتخابات ويحل البرلمان الموالي للأمير، كونه انبثق من قانون الصوت الواحد.
نقول قبل النهاية، أننا كنا نغبط دولة الكويت، لاننا كنا نعتبرها معقلا للديمقراطية اذ أصبحت منذ مطلع ستينات القرن الماضي، أول دولة خليجية تحظى بدستور، وتتبنى نظاماً برلمانيا منتخبا، يتمتع فعلا بصلاحيات التشريع والرقابة. ولكن الإبقاء على صلاحية تعيين رئيس الوزراء والوزراء، بيد الأمير بشكل مطلق، دون النظر الى نتيجة الانتخابات، أدى هذا الأمر الى مناكفات وخلافات مستمرة بين الوزراء والبرلمانات المتعاقبة .
إننا نشفق على واقع المحكمة الدستورية بالكويت، كونها نصبت - وقبلت - لاعطاء فتاوى بمثابة الأعطيات. نشفق عليها لأنها تنتمي الى السلطة القضائية، السلطة التي نكن لها اقصى درجات الاحترام والتقدير فهي السلطة التي يفترض انها الحامية للحقوق والحريات ، مستظلة بمبادئ العدالة والنزاهة والشفافية. نشفق عليها لانها ليست في اوغندا ، بل هي في الكويت الشقيق العزيز. نشفق عليها لأنها تتربع على قمة هرم الجهاز القضائي، ذلك الجهاز ، الذي كان للقضاة الأردنيين اليد الطولى في دعمه وتنظيمه وتنميته وتطويره.
الرأي