التقليل من الخطوة التي اتخذها أمير قطر وكأنها قضاء مبرم وترتيب دولي مربوط بقضايا اقليمية وليست خطوة ذكية من الشيخ حمد فيها تسطيح أو مُغافلة للحقيقة واستعماء بقصد المناكفة لإثبات أن الإمارة الصغيرة حجما قد عوقبت على تجرؤها الدخول كلاعب رئيس في الملفات الكبرى دون مراعاة الأوزان الجيوسياسية واحترام نظرية الحجوم , والتسطيح ملازم كذلك لفكرة استراحة المحارب وتربية الأبناء لزمان غير زماننا , فلا أحد زاهد في السلطة حتى القادمين عبر صناديق الاقتراع وحتى المحكوم منهم بدورتين رئاسيتين على الأكثر .
التغيير او الانسحاب من السلطة والمشهد جاء استجابة موضوعية لاستمرار نظام وسلالة في الحكم , فمجمل المعارك السياسية التي دخلتها الإمارة الصغيرة حجما والمكتنزة مالا وإعلاما , أورثها وفرة في الأعداء , على عكس الإمارات الخليجية التي اعتادت على النأي بالنفس عن التدخل في الشؤون الداخلية والاكتفاء بالمساعدات الاقتصادية والانسانية للدول الفقيرة او النامية , بحيث نسجت علاقات سياسية طيبة مع انظمة الحُكم و القوى الشعبية مع اختراقات محدودة في القوى السياسية جرّاء النظرة السياسية الحيادية لدول الخليج بالمجمل , على عكس قطر التي دخلت في شراكات مع القوى السياسية بخاصة احزاب الإسلام السياسي وجهات المعارضة لأنظمة الحُكم .
الربيع العربي او ما سُمّي بهذا , كشف عن دور فائض للإمارة الصغيرة حجما في ملفات الدول الحاضنة للربيع العربي ووصل تدخلها حد التدخل العسكري المباشر كما في ليبيا ورعاية ودعم المسلحين كما في سوريا , ناهيك عن الدعم المالي واللوجستي بخاصة الإعلامي في باقي الدول التي شهدت حراكات شعبية , وقامت اكثر من دولة باتهام قطر علنا وسرّا بالعبث في جوانيتها , بل ان انصار التيار الليبرالي واليساري والعلماني , باتوا ينظرون الى قطر بوصفها دولة مناهضة لهذا التيار وانها انحازت علنا الى قوى الإسلام السياسي كما في مصر وليبيا وتونس, فأجواء ومزاج هذه الدول بات معاديا للإمارة الخليجية , والخشية ان يتكرس هذا المزاج وان ينقلب عداءً للشعب القطري الشقيق وللدولة بكليّتها .
وسط هذه الحروب والحرائق المشتعلة والمزاج المُتحول حيال الإمارة ودورها, اتخذ الأمير حمد خطوته الذكية بالانسحاب من المشهد وسط حضور سياسي لا يَخفى على احد وسطوة اقتصادية تراها العين حيث تُديرها , من أجل ديمومة الحكم والتخلص من وزر المواقف السابقة وكل ما علق بها من آثام وخطايا، وللبناء ومراكمة النجاحات, فالأمير الشاب لا يتحمل وزر مواقف سابقة , ويمكن ان يتخلى عن أي موقف سابق وأن يراكم على اي نجاح بالتساوي , فهو صفحة بيضاء في الحكم ويستطيع ان يكتب ما يريد على صفحته .
قطر نجحت من بوابة التغيير السلمي بضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد , أولها أن قطر حاضرة في المشهد السياسي دون كُلف مسبقة بحكم حداثة عهد الأمير الجديد , ثانيها انها قادرة الآن على التراجع عن اي خطوة مكلفة او لا تستطيع صون ديمومتها ودفع كلفة صيانتها , والثالثة ان ملمحا سياسيا في الاستجابة لمتطلبات الجيل الجديد قد تحقق للأمير الشاب , فالانتقال السلس للسلطة سيثير حماسة الكثيرين من جيل الشباب في أقطار عديدة ويمنح الخطاب القطري الإصلاحي صدقية.
حزيران ينتهي بسخونة لاهبة لكثير من الأقطار العربية وتحديدا مصر التي تنتظر نهاية حزيرانية مفتوحة على كل الاحتمالات , ولو أمعن الرئيس مرسي في خطوة أمير قطر لجنّب نفسه وبلده الكثير من المخاطر , فما فعله امير قطر درس سياسي بامتياز لمن يرغب بقراءة ظرفه الوطني بعين الإقليم وعين الديمومة الوطنية على حساب الفردية والمصلحة الحزبية .
omarkallab@yahoo.com
الدستور