سرداب السيد .. وفيلا العبد
جهاد المنسي
26-06-2013 03:28 AM
استذكرت ميسون بنت جندل قبل نحو 1400 عام، وهي تقف في قصر زوجها الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان، مرابع أهلها؛ فقالت: لبيت تخفق الأرياح فيه.. أحبّ إلي من قصر منيف. وتابعت قولها: فما أبغي سوى وطني بديلا.. فحسبي ذاك من وطن شريف.
استذكرت كلام بنت جندل، وأنا أطالع ما يكتب وما يدور حولنا من مهاترات، ونقد البعض لدعوات أحزاب سياسية للجهاد ضد إسرائيل، والقول إن تلك الدعوات تخرج من أشخاص يعيشون في سرادب.
استذكرت ما فعله شيوخ الفتنة فينا، وكيف تحولت إيران الإسلامية إلى دولة المجوس، وكيف حول مشايخ الفتن الغرب رائد الاستعمار في المنطقة ومقسم الدول وقاتل الشعوب، إلى دول صديقة محبة للسلام.
نعم، استطاع شيوخ الفتنة الطائفية والمذهبية والإقليمية زرع سمومهم في عقول البعض، ولوثوا الفكر والمعتقد؛ فبتنا نسمع عن طوائف مسلمة كافرة، يُدعى عليها على المنابر، وأخرى تتعرض للقتل يدعى لها بالنصر من على المنابر أيضا.
استذكرت وأنا أنفض عني هذا الكلام المذهبي الطائفي أن فقهاء الحديث عندنا؛ ابتداء من البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم، هم من بلاد فارس والسند سابقا، وهم من نقلوا لأهل السنة والجماعة كل الأحاديث النبوية التي نوردها في كلامنا. فهولاء لم يكونوا مجوسا، وإنما مسلمون أقحاح.
شيوخ الفتنة استغلوا الدين وسيلة لمغازلة عقول البعض، وتصوير ما يحدث في المنطقة، وتحديدا في سورية الشقيقة، باعتباره صراعا مذهبيا طائفيا. فلم يكن الصراع في منطقتنا يوما طائفيا ولا مذهبيا، وإنما كان عبر سنوات طويلة صراعا سياسيا بامتياز، تديره أجهزة غربية، وينفذه أراجوزات في بيتنا.
ما يحدث يذكرنا بسنوات سابقة، ساهم فيها شيوخ الفتنة في التغرير بشباب عربي ومسلم، وإرسالهم إلى التهلكة في أفغانستان وغيرها والموت هناك. والنتيجة أن أفغانستان حررت من السوفييت، واحتلت من قبل الأميركيين والغرب، فلصالح من يعمل أولئك؟!
ذاكرتنا ليست مثقوبة، ولن نسمح لمن يريد لنا أن نغيب عقولنا، وإحلال وساويسهم وألاعيبهم والتسليم بما يقولون، وما يأمروننا به، بإقناعنا بالتعامل مع الأخ والشقيق والصديق كعدو، ومعاملة العدو كصديق حميم كما فعل البعض.
شخصيا، لا فرق عندي بين مسيحي ومسلم، وشيعي وسني، ودرزي وكردي، وعلوي وزيدي؛ فلا يمكن أن تبنى الديمقراطية بغير ذلك، ولا يجوز التعامل مع الديمقراطية برؤى مذهبية. الأصل أن يكون مطلبنا الرئيس مدنية الدول، بديمقراطية حقيقية وليس وهمية، وعدالة ومساواة، وحق الآخر في التعبير والاختلاف، وليس قتل الآخر ورفضه، وأكل الأكباد، وحرق الكتب، وتنصيب القتلة محافظين ووزراء، وتخوين المعارضة، وسلبهم حقهم في المطالبة بمدنية الدولة.
كيف لنا أن ننسى أن أولئك المشايخ الذين يُفتون الآن، ويحلّون ويحرمون، ويجيزون قتل هذا وتحريم قتل ذاك، هم أنفسهم من زرع الفكر المتطرف بين ظهرانينا. وفتاواهم تلك كانت وقودا لتفجيرات بغداد وعمان والقاهرة، وغيرها من المدن العربية التي ذاقت من نيران تلك الفتاوى ما ذاقت، وذهب من ربيع شبابها من ذهب.
عذرا، لا أستطيع التعامل مع من صوّب بندقيته إلى إسرائيل المغتصبة، وألزمها الملاجئ لأيام، بالقول إن من فعل ذلك يعيش في سرداب؛ فالسرداب أشرف وأكثر إشعاعا من بيوت وفلل سكنها عبيد لأسيادهم، ينفذون ما يطلب منهم، وإن حادوا عن الطريق يقتلعون من كراسيهم. فلا يعاير من قال وفعل، وإنما يتوجب محاسبة من بنى القصور والفلل وسخر أموال شعبه لسيده.
الديمقراطية، والعدالة، حق للشعب السوري البطل، المدني الحضاري، ولكن ليس من حق أحد تقديم نفسه وصيا عليه والنطق باسمه، كما ليس من حق من لا يعرف معنى الديمقراطية ولا يعرف لفظها، ويعاقب من يطالب بها، الكلام عنها. وليس من حق من خرّب عقله المال الأسود، فاختلط عليه الأمر، وبات الصديق عدوا والعدو صديقا، أن يحاجج بالديمقراطية، فقد رأينا ديمقراطيتهم التي يريدون في شوارع القاهرة وكابل. أما نحن، فإننا نريد دولة مدنية، شعارها العدالة وحقوق الإنسان، وحق الفكر والمعتقد.
jihad.mansi@alghad.jo
الغد