المتقاعدون مبكراً .. وتستمر المعاناة
د.خليل ابوسليم
25-06-2013 09:27 PM
للمرة الألف نكتب عن قانون الضمان الاجتماعي بشكل عام، وعن فئة لا بأس بها من المتقاعدين بشكل خاص طالما ذاقت الويل والثبور نتيجة هذا القانون الجائر، وسنبقى نكتب ونطالب بقانون يلبي طموحات المتقاعدين في حياة حرة كريمة ضمنتها العدالة السماوية قبل أن يكفلها دستور أو قوانين مفصلة تلبي طموحات وأهواء المتلاعبين بمصائر أبناء الوطن.
ما تسرب لي من معلومات عن التعديلات المقترحة من قبل اللجنة المختصة بدراسة قانون الضمان المؤقت، ينسف الأصل والغاية التي طالما نادينا بها وهي ضمان حياة حرة كريمة للمتقاعدين بشتى صنوفهم، وسأتناول بعجالة، جزئية بسيطة من بعض التعديلات المقترحة على رواتب المتقاعدين مبكرا، ولن أتطرق إلى التعديلات الأخرى التي طالت تلك الشريحة والشرائح الأخرى والتي أعتقد أنها لن تقل فظاعة وظلامية عن ذلك، حيث سيكون لنا حديث آخر عند طرح القانون للمناقشة تحت القبة.
التعديل المشار إليه يتعلق بالسماح للمتقاعد المبكر الجمع بين راتبه التقاعدي وأي راتب أخر، بمعنى انه تم السماح للمتقاعد المبكر بالعمل، شريطة أن يتم اقتطاع ما نسبته 40% من راتبه التقاعدي على أن تتناقص هذه النسبة تدريجيا لتصل إلى 15% عند بلوغ المتقاعد سن 58 عاما، أي انه تم ربط نسبة الخصم بعمر المتقاعد.
حسب ما علمت أيضا، أن اللجنة الموقرة رفضت إعادة نسبة 18% والتي يتم اقتطاعها من راتب المتقاعد مستندة في ذلك انه تم السماح للمتقاعد بالعمل، متجاهلة هنا، انه وبهذه الحالة تكون قد عاقبت المتقاعد بخصم ما نسبته 58% مقابل السماح له بالعمل!!! ونعم التعديل، هكذا يكون الابتزاز وإلا فلا.
من المعروف أن المتقاعد مبكرا فيما لو رغب بالعمل لدى أي جهة كانت ووافقت هذه الجهة على توظيفه، فإنها ستعمل على منحه أدنى راتب متذرعة بكبر سنه أولا، وبأن لديه مصدر دخل آخر ثانيا وهو الراتب التقاعدي، وبهذه الحالة يكون المتقاعد تحت طائلة الابتزاز برعاية قانونية من رب العمل.
وحتى نكون منطقيين أكثر تعالوا نحسبها بشكل واقعي، ولنفترض أن متقاعدا عمره 50 عاما وراتبه التقاعدي 1000 دينار، وأراد العمل لدى جهة ما وبراتب 700 دينار شهريا، ما هي الزيادة التي طرأت على راتب المتقاعد على فرض أن نسبة الخصم 40%؟
الجواب: سوف يكون الدخل الشهري للمتقاعد ارتفع بمقدار 300 دينار فقط، وسيصبح إجمالي دخله الشهري 1300 دينار، وتوضيح ذلك انه سوف يتم خصم 400 دينار من راتبه التقاعدي البالغ 1000 دينار (أي ما نسبته 40%) وسيتلقى راتبا إضافة لتقاعده مقداره 700 دينار، والسؤال المطروح هنا، هل يرضى المتقاعد بان يحصل على زيادة 300 دينار على دخله وهو يعلم أنها لا تغطي الجهد المبذول لأداء عمله وبالكاد تغطي نفقات المواصلات؟
هذه الحسبة البسيطة تم تطبيقها على فئة قليلة جدا من المتقاعدين والتي رواتبها 1000 دينار فما فوق، فما هو رأي اللجنة الموقرة يما يتعلق بالغالبية الساحقة والتي رواتبها اقل بذلك من كثير، هذه إذا ما علمنا أيضا انه كلما ارتفع الراتب التقاعدي للمتقاعد كلما زاد ابتزازه من قبل أرباب العمل!
من المعروف انه لأجل اتخاذ القرار بالعمل من عدمه، لا بد أن تكون منافع القرار المتخذ اكبر من تكاليفه، ويؤخذ في مثل تلك القرارات التكاليف المعنوية إضافة إلى التكاليف المادية والتي نجد أنها لا تغطي جزءا من جهد المتقاعد، وبالتالي لن تجد متقاعدا واحدا يقبل بذلك وسنبقى ندور في نفس الرحى.
ثم لماذا هذا الإصرار من قبل اللجنة بعدم إعادة نسبة 18% المقتطعة من راتب المتقاعد والتي هي جزء من جهده وتعبه تحصّل عليها نتيجة عمل وكفاح طوال عمره الوظيفي، تم السطو عليها بقانون جائر تم تفصيله زمن الخصخصة ليسمح لأرباب العمل بالاستغناء عن العمال لديهم بذريعته، تماما كما هو شأن الاستيداع في القطاع الحكومي.
نحن يا سادة بحاجة إلى تعديلات جذرية على قانون الضمان، تضمن حياة كريمة للمتقاعد بعد بلوغه من العمر عتيا، ومن قال بان الضمان الاجتماعي ليس جمعية خيرية فاعتقد انه أصاب بالقول واخطأ بالمعنى، فهو فعلا ليس جمعية خيرية توزع أمواله وتستثمر لصالح المتنفذين- وهو الآن كذلك- ولكنه بالمعنى يجب أن بكون له من اسمه نصيب، فهو ضمان وتأمين للعامل وأسرته من بعده.
وعليه لابد من إدخال تعديلات على القانون تعيد للمتقاعد نسبة الـ 18% المقتطعة وعدم ابتزاز المتقاعد مبكرا بها بحجة السماح له بالعمل هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى فلا بد من السماح للمتقاعد مبكرا بالعمل دون اشتراط اقتطاع أي نسبة من راتبه التقاعدي إلا إذا تجاوز راتبه التقاعدي مبلغ 2000 دينار وبنسبة مقبولة، لأن معظم المتقاعدين خرجوا نتيجة عمليات الخصخصة والتضييق عليهم، وهذا بالطبع يستلزم تعديل قانون العمل وإعادة ترتيب العلاقة بين رب العمل والعامل وفق صيغ تحترم وتضمن حقوق العامل ورب العمل... وللحديث بقية.
kalilabosaleem@yahoo.com