جاء النداء الذي أطلقه سمو الأمير الحسن بن طلال الأسبوع الماضي إلى عقلاء الأمة في وقته الصحيح تماما ، فقد تعالت في الآونة الأخيرة دعوات الفرقة والتشاحن والبغضاء بين مكونات الأمة الواحدة ، وإشتد خطر الإقتتال الطائفي بشكل غير مسبوق ، وهو خطر ساحق يوشك أن يأتي على الأخضر واليابس ويدخل الأمة كلها في أتون صراع لايرحم قد يمتد عقودا طويلة.
وفي حقيقة الأمر ، فإن الهاشميين ، بما لهم من مكانة خاصة وتوقير كبير لدى كل طوائف ومكونات الأمة ، هم الأقدر والأكثر مصداقية وتأثيرا عند طرح هذه الرؤى الغيورة على مصالح الأمة فهى طروحات خالصة لوجه الله تعالى ومنزهة عن كل غرض زائل ومصلحة دنيوية.
لقد حذر الحسن في ندائه الأخير من إستمرار وتفاقم دعوات التعصب والإنغلاق الفكري وأشار إلى سيادة الخطاب الطائفي . وقد طغى بالفعل خطاب الكراهية بين مكونات الأمة الواحدة إلى حد غير مسبوق ، ووصل المتعصبون المنغلقون حدا من الجرأة في تكفير وإستباحة دماء المسلمين إلى درجة أصبحت معها هذه الدعوات القاتلة حدثا عاديا يتابعه الناس في كل مكان بلاأبالية عجيبة دون أن يستوقف أحدا منهم.
ولعبت بعض المحطات الفضائية دورا مدمرا بالغ الخطورة في إشعال نيران الفتنة وإذكاء روح التعصب والإقتتال وأصبح عدد منها مجرد منابر منذورة لبث الحقد والكراهية يفح منها السم الزعاف ، وكأنها إستعادت بهذه الوظيفة الخبيثة التي تقوم بها الدور الخطير لشاعر القبيلة الذي كان يتفنن في تجريد الآخر من كل القيم الإنسانية تمهيدا لهدر دمه.
كما أشار الأمير الحسن إلى ماأسماه بالفتاوى المهلكة وبين خطرها الكبير في إحداث الفرقة في صفوف المسلمين ، ولايخفى على أحد أننا أصبحنا نعاني من فوضى كبيرة في هذا الشأن ، فالكل يفتي بما يتوافق مع حساباته السياسية الضيقة ضاربا عرض الحائط بمصالح الأمة ، وغدت الفتاوى، التي تصدر في الأصل عن أهل العلم وذوي الرأي السديد والحكمة والمعرفة الشرعية، أمرا مشاعا يتنازع عليه أصحاب الأجندات السياسية الضيقة و يسخره علماء الفرقة والتقسيم لمصالحهم الفئوية والتكفيرية مما خلق حالة من الفوضى الفكرية وأشاع البلبلة والخصام بين صفوف الأمة الواحدة.
لقد قام الأمير الحسن بتنبيه الأمة إلى الأخطار التي إستشرت وتفاقمت في الآونة الأخيرة ، وحذر الجميع من تداعيات الفتنة القادمة التي يدفع الكثيرون الأمة دفعا للغرق في أتونها . وهذا النداء هو صرخة الحق التي يحتاجها الجميع قبل الوقوع في الهاوية.
والمأمول أن يصغي الجميع قبل فوات الأوان إلى هذا النداء، نداء العقل والحكمة الذي أطلقه الأمير الحسن بن طلال بكل غيرة وحرقة ووجهه إلى عقلاء الأمة، وان يتخذوا مايلزم لتجنب نيران الفتنة الحارقة التي تلوح في الأفق.
لقد كان الأردن دوما صوت العقل والرشاد بفضل هذه البوصلة الهاشمية السديدة التي تقيس الأمور بمقياس المصلحة العامة للأمة بحكم مسؤولياتها التاريخية، فمصالح الأمة بكل طوائفها وفئاتها تقع دائما عند الهاشميين فوق أي إعتبار آخر. وإذا كان هذا الطرف أو ذاك يتحرك لنيل غنيمة دنيوية أو لتحقيق منفعة سياسية ، فإن الهاشميين كانوا وسيبقون حراس الأمل والغد المشرق لهذ الأمة مهما إدلهمت الخطوب وتداخلت الدروب .