تتجلى سياسة التعليم العالي, في العمل على ايجاد منظومة قيمية اجتماعية راقية, من خلال الاعداد لكوادر بشرية متعلمة, تكون مؤهلة لخدمة وطنها وأمتها, تنقل البلاد من وحشة التخلف الى عالم المعرفة, والانتقال بها الى مصاف الدول المتحضرة, التي يعد تلقي العلوم فيها العمود الفقري والعنوان الابرز في تقدمها ورفعتها.
نفاخر على الصعيد الوطني, أن رأس مالنا الحقيقي يكمن في ما نتمتع به من كوادر بشرية, استطاعت بفضل تمكنها أن تكون محط انظار العديد من الدول العربية الشقيقة, بهدف استفادة ابنائها من المستوى الرفيع الذي تلقوه على أيدي اساتذة جامعيين اردنيين كبار في خُلقهم وعلمهم ومن مختلف التخصصات الاكاديمية.
ولا مندوحة من التوقف حين نستعرض أحوال التعليم العالي لجهة الاهداف والسياسات على حقيقة كونها من الناحية النظرية تحاكي إن لم تتفوق على ما هو متوافر في دول العالم المتقدم, إلا إن واقع الحال يجسد خلاف ذلك, ويثير علامة استفهام كبيرة حول عدم قدرة الممسكين بملف التعليم العالي في انفاذ هذه السياسات الورقية واسقاطها على الارض, ربما بفعل التعاقب السريع على الذين يوكل اليهم امر هذا الملف, وكثرة من يتداولونه, بل وقل ربما لعدم ايمانهم بقدرتهم على التغيير.
اوليس ما نشاهده ونسمعه يومياً من احداث مؤسفة تعصف بجامعاتنا, خير شاهد على هذا العجز والانتقاص من قدرة الجامعة على غرس قيم المواطنة الصالحة والتخلي عن القيم البالية وتناول الامور في سياقها العلمي والموضوعي.
حجم التحديات التي يمر بها هذا القطاع كبيرة, تستدعي استنفار جميع المجهودات الوطنية من اجل وضع الخطط والبرامج لعلاج المظاهر السلبية من عنف وغيره بات يعتري العملية التعليمية, حتى لا يكون شباب المستقبل رهينة وضحية لممارسات خاطئة, تهدد منظومة القيم الاجتماعية وتسيء الى سمعة التعليم التي حققها الاردن على مدى سنين ماضية.
واقع الحال في الجامعات كما يقال «لم يعد يسر عدواً ولا صديقاًً» وكان لثقافة الفوضى التي ارتهنت لها شوارعنا من مسيرات واعتصامات (..) اثر مباشر في «تمكين» هذه الحالة وتفاقمها تجلت على شكل تجاوزات داخل الحرم الجامعي والضرب بعرض الحائط بكل اللوائح والانظمة التي تنادي وتحث على حفظ الامن في الجامعات.
قد يكون من بين اسباب مظاهر العنف في الجامعات أيضاً تلك العلاقة المباشرة ذات الصلة بالابعاد الاقتصادية والاجتماعية والاكاديمية، او بسبب ثقافة مكتسبة ينقلها الطالب من بيئته الى داخل الحرم الجامعي, فالبيئات بالضرورة متباينة ويتحكم فيها مجموعة عوامل من ابرزها عدم القدرة على استيعاب عملية الانتقال الدراماتيكي من المدرسة ذات الموارد والامكانات المحدودة الى الجامعة وبخاصة على الطلبة الذين يلتحقون بها من مناطق اقل حظا يأخذهم بريق الحياة الجامعية بكل تفاصيلها.
سياسة دفن الرأس في الرمال لم تعد تجدي نفعاً, هناك مشكل على اكثر من صعيد يتهدد جامعاتنا معرفياً ومسلكياً, ما يستدعي القائمين على صناع مستقبل الاجيال الى الوقوف بحذر وايجاد الدواء قبل ان يستفحل الداء بجسد المؤسسة العلمية الابرز, عنوان التحضر والحداثة لأي مجتمع يرنو الى الرفعة.
المطلوب تحصين طلبة الجامعات, بالبحث عن حلول سريعة, لواقع بات من المتعذر استمراره حفاظا على امن وسلامة المجتمع ونوعية التحصيل, وليس يكفي التفاخر بكم الخريجين بمقدار التساؤل عن نوع الخريج ومستواه.
السؤال مجدداً, أين نقف الآن من أهداف التعليم العالي المعلنة والسياسة الموجودة على أرض الواقع الذي تعيشه جامعاتنا؟ سؤال كبير برسم الإجابة في مقبل الأيام.
eyadwq@yahoo.com
"الراي"