مؤتة .. التاريخ عندما يستفيق!!
أ.د عمر الحضرمي
22-06-2013 04:03 AM
في حديث مملوء بالممانعة والتحدّي والمباشرة ، خاطب جلالة الملك الأردنيين بمناسبة تخريج الجناح العسكري لجامعة مؤتة . وقال كلاماً ، وإن كان موجزاً ، فقد جاء شاملاً دقيقاً واضحاً ، أرخى جدائله على كثير من مناحي صناعة الدولة ومعانيها وقواعدها ومكوّناتها وتفاصيل وجودها وحدود مقدراتها .
وهنا لن أذهب إلى أجزاء الخطاب لسببين ، أولهما أنها عديدة ، وثانيهما أن جمهوراً واسعاً من الأخوة السياسيين والمفكرين قد كفونا مؤنة التفصيل . لذا فإن حديثي سيأتي في سياق آخر .
من ذلك أن المُطالع المتحقق ، والقارئ لأفئدة المعطيات ،يجد أن خطاب جلالة الملك قد جاء على صورة حُزمة متكاملة من التعاطي والمقاربة مع الأشياء، وأن أي نقص كان سيبدو واضحاً ، ولذلك فقد تجاوز جلالته في خطابه حدود الاكتمال ، وبدا أن الاعداد الفكري للخطاب متكاملٌ ومعمّق ، وكان التحاور مع المفاصل على مسافة واحدة من كل جزء . وهذا أمر يغيب عن الكثيرين من القادة وأصحاب الرأي ، إذ أنهم غالباً ما يذهبون في خطبهم نحو الاحتشاء غير القادر على الاستيعاب . كما أن كثيرين منهم لَيَضَعوا أمام عيونهم استجلاب ملء الفراغات الفكرية بأحاديث ربما لا تستقيم مع القول أو مع الفعل .
أما الأمر الثاني فانه متأتي من اختيار المكان الذي ألقى جلالته فيه الخطاب ، اذ أنه جاء وكأنه يقول للتاريخ استفق من غفوتك ، وامسح الخَدَرَ عن جفونك ، فمؤتة تظل مكان الغُنْم ، ومهبط النصر الالهي الذي كان في جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة ، والذي رسمته أرواح رجال كالجبال وقفوا ثابتين في وجه أقوى قوة في العالم آنذاك. وعندها أصبحت مؤتة ملحمة اقتدار وفداء بكل المقاييس .
أما الأمر الثالث فهو المناسبة ، وهو تخريج كوكبة من الفتية الذين آمنوا بربهم والذين استكملوا علمهم المدني والعسكري ، وهذا هو في حد ذاته حدث يستحق أن يكون سيّد المناسبة . إذ أنه دلالة متميزة بحد ذاتها ، بدؤها وانتهاؤها أن الجميع عندنا في الأردن حماة ،كلٌ على ثغره، وكل فتى منا فخور بأن يكون أول شهيد في الدفاع عن الحمى
والذود عن الحياض . وأن لا شيء عندنا يسمو فوق الوطن . ونحن مؤمنون أننا نعيش وحدة صف من أوّلنا جلالة الملك وحتى آخر مواطن وقف يحمي الظهر ويذود عن نهاية الجمع .
وأخيراً ،لا يستقيم الأمر إلا إذا التفتنا إلى واقعة المرحلة التاريخية التي جاء فيها الخطاب ، إذ أنه تزامن مع مرور المنطقة بأحداث جسام ، تنهد لها الجبال ، ويبيت معها العاقل حيراناً ، وتتحرك حولها الدول وكأنها تسير في حقل مليئ بالألغام . ومع كل ذلك أصر جلالة الملك على أن يقتحم هذه المناسبة ليتحدث إلى الناس حديث القلب إلى القلب ، حديثاً مملوءاً بالمكاشفة والمصارحة ، فوضع النقاط على الحروف ، واستدار نحو كل جهة ، وطلب كل قضية لتقف أمامه فيحكي لها قصة الاستعداد والإعداد ، ويقرأ لها سفراً من البطولة والجرأة .
وهكذا فقد جاء خطاب مؤتة فصل الخطاب . وعلينا أن نبدأ فوراً بقراءته عملياً، وبوضع خارطة طريق تجعلنا نصل مع نهايتها إلى مربط القول ومبتدأ الفعل .