دمشق دعمت التشابك وسبب الاشتباك
عمر كلاب
22-06-2013 03:57 AM
من البديهي أن يختار فرقاء السياسة مهاجمة الخواصر الرخوة لخصومهم وتأليب الرأي العام والعوام عليهم على حد سواء , شريطة ادراك كل فريق لحدود الملعب السياسي وعدم الضرب تحت الحزام واستخدام ادوات اللعب غير النظيف, شرط ان يدرك الفرقاء حجم الكذب وحجم التضليل الذي يمارسونه , فلا تحدث ارتدادات عكسية على خطابهم او ان يقوموا بتصديق ادوات لُعبهم .
ثمة خلط غريب في المشهد السياسي بعد اختلاط اوراق احلاف الامس وفرقاء اليوم , فالاتفاق على الربيع الطامح في مصر وتونس اوجد تحالفات سياسية رغم الاختلاف الفكري والعقائدي , سرعان ما انقلب هذا التحالف الى بَغضاء وتراشق بأقذع الالقاب بعد ليبيا نسبيا وسوريا بشكل اكثر وضوحا , وسرعان ما غاب العقل عن الجميع وحصلت ردّة فكرية وسياسية موجعة لكل المراقبين والطامحين بخطوة ديمقراطية نحو الامام .
فالتقارب بين الاحزاب ذات المرجعية الاسلامية والاحزاب والقوى ذات المرجعية القومية واليسارية منح المراقبين والشارع الشعبي بارقة أمل لمصالحة تاريخية بين العروبة والاسلام مجددا ومنحت بارقة امل لمجتمع مدني تتصارع فيه البرامج السياسية عبر صناديق الاقتراع دون تخوين او تكفير كما في الحُقب السابقة , وكان مشهد تشابك الاذرع اليسارية والاسلامية والقومية مريحا للنفس ودافعا للامان والاطمئنان، سواء أكنت مع هذا الفريق او ذاك وسواء أكنت راضيا عن تفاصيل الحلف وهوامشه او رافضا لشكل التركيبة الجديدة غير واضحة المعالم وغير المرسّمة بحدود سياسية ومنهجية، وللإنصاف كنت ممن يرُون في حالة تشابك الاذرع حالة زواج متعة او مصلحة سرعان ما تنتهي لأن الارضية التشابكية مُلتَبسة ورخوة وآنية .
فالتقارب تم على ارضية مواجهة الخصم وكان الخصم السلطة دون ادراك لحجم التقاطعات والمخالفات بين القوى , ودون تعريف واضح لمعنى السلطة المطلوب او المُتأمل , فكل فريق افترض معرفة الطرف الآخر برؤيته دون ادنى مراجعة لشكل العلاقة التاريخي او للقواعد الفقهية السياسية , وفي الوقت الذي كانت أذرع الامناء العامين تتشابك كانت القواعد تشتبك نظريا وشارعيا ونقابيا, ما يعني ان التشابك كان تمرينا وهميا او تأخيرا لفاتورة الاشتباك الذي وقع بعد وصول رياح الربيع العربي الى دمشق .
والمُخيف ان الاشتباك تحول الى انقلاب وإن أخذ في البدايات صورة المراجعة للمواقف , فالرئيس المنتخب في مصر بات حارسا للبوابة الاسرائيلية ورافعة للمشروع الامريكي بحسب اتهامات انصار دمشق , والقوى القومية واليسارية صارت طائفية ورجعية وحاملة للواء المشروع الروسي ولابسة لعمامة الملالي بحسب انصار تيار الاسلام السياسي وتراشق الجميع بالدم السوري , الذي بات رخيصا على الجميع , فمشروع توقف الربيع المتأمرك على اسوار دمشق بات يستوجب اصطفاف المقاومة ودول الممانعة في مواجهة انصار الممانعة ايضا وكأن الحرب بين ممانعين وليست بين مقاومة ومقاولة او بين ممانعة وموافقة على التفريط كما كان اساس التشابك في المسيرات القَبلية , اي ما قبل دمشق .
وفي غمرة هذا الاشتباك نسي الفرقاء ان دمشق هي حاضنة التشابك الصُوَري , ونسي الفرقاء ان دمشق كانت مربط خيلهم وطهران محجّهم وممولهم الرئيس ونسي الفرقاء ان العاصمة السورية كانت مُرضعتهم السياسية وجبل دعمهم السُرّي , ونسي الفرقاء ان تمكين الشعب السوري ديمقراطيا ودعمه هو واجب على الجميع , فتراشقوا بالتهم الطائفية البغيضة لإخفاء الطابع المَصلحي الذي جمعهم في فنادق دمشق وبوابة فاطمة وساحات طهران .
ما يحدث ليس اصطفافا منهجيا او حماية لمشروع طائفي في دمشق , بل هو مشروع سياسي يدافع كل فريق عن مصالحه ولو كان الأمر مذهبيا لما رأينا توافق الجميع على الصمت حيال ما حدث في ساحات شقيقة وصديقة ولما زغردت دمشق لرحيل مبارك وابن علي ومقدم مرسي والغنوشي، ولما دعمت طهران مرسي واستقبلته استقبال الفاتحين وهو من مذهب واضح المعالم والتفاصيل , ولما دعمت واشنطن التغيير في القاهرة وتونس العاصمة ولما وقفت موسكو وبكين ضد التغيير في دمشق .
استخدام المصطلحات المذهبية في الخصومة السياسية سيكون دمارا على الفرقاء جميعا لأن تحسين بيئة التنافس واستخدام مصطلحات سياسية هو الضمانة للدمقرطة والاصلاح وتغيير الرأي العام وتطوير رأي العوام والبحث عن مكاسب سريعة وساذجة عبر اللعب بالأوراق المذهبية سيقلب المسار الديمقراطي المنشود الى مسار بغيض يودي بالسلم الأهلي في كل العواصم ولا رابح في الصدامات الاهلية , وعلى العقول ان تستعيد رشادها قبل فوات الأوان .
omarkallab@yahoo.com
الدستور