قرار الرئيس مرسي بإغلاق السفارة السورية في القاهرة كان خطأً سياسياً واضحاً، مشوباً بالانفعال والاستعجال والنظرة المبتسرة، وكان ضرره أكبر من نفعه في مجمل الموازنة، على الصعيد العربي بعموم وعلى صعيد الحركة الاسلامية بخصوص، وارجو أن يتسع صدر الرئيس والحركة الاسلامية في مصر للنقد والنصيحة والمصارحة.
هذا القرار الانفعالي وغير المدروس جيداً، يمثل هدية ثمينة لخصوم الرئيس، فقد أعطاهم مادة خصبة لتوجيه السهام للتجربة المصرية الوليدة، وزيادة حدة اللجج والخصومة في الاوساط المصرية والعربية، على امتداد الوطن العربي، في ظل وجود معاهدة تربط مصر مع الكيان الصهيوني المحتل، التي تحتل الأرض والمقدسات وتمارس أبشع أنواع الاستعمار الاستيطاني الاحلالي الديني البشع، وتعمل على تهويد القدس، والتهام اراضي الضفة، والاحتفاظ بعشرات الالاف من الأسرى، وتفرط في استعمال القوة ضد الشعب الفلسطيني المقهور، ومع ذلك يتم الابقاء على السفير الصهيوني في ظل توازنات سياسية تقتضيها المرحلة.
يستطيع الرئيس أن يعلن تأييده بكل قوة ووضوح للشعب السوري في ثورته العادلة ضد الاستبداد والقمع والتسلط، ويستطيع أن يقدم له كل ما يستطيع من دعم دون أن يُقدم على اتخاذ قرار باغلاق السفارة، إذ لا حاجة لهذه الخطوة، ولا تمثل عائقا أمام أية خطوة عملية ايجابية أو سلبية تجاه الثورة.
ربما يكون من الحكمة الابقاء على دور مصري سياسي كبير يحمل دلالات التوازن والعقلانية، بما يجعله أكثر تأثيراً وفاعلية في سير الأحداث وتوجيه الصراع، ليكون أكثر رشداً وأقل ضرراً، في ظل تعقيد المشهد ودخول القوى الدولية والاقليمية على الساحة السورية، بحيث أصبح من السهل تفسير المواقف السياسية وتصنيفها ضمن حدود الانحياز الطرفي الدولي.
قرار اغلاق السفارة يضعف الموقف المصري على الصعيد القومي والعربي ولا يقوّيه، ولا يجعله منافساً للمخطط الدولي والإقليمي الظالم، الذي لا يصب في مصلحة الشعب السوري، ولا في مستقبل الدولة السورية بكل تأكيد.
موقف أمريكا والمعسكر الغربي لا يمكن تفسيره أنه في مصلحة الشعب السوري أو الثورة السورية، رغم الاعلان المتكرر عن انتقاد نظام بشار الأسد وضرورة تنحيته عن السلطة، وقد الحق الموقف الامريكي ضرراً فادحاً في الثورة ومستقبلها في الحقيقة والواقع، فهم يريدون تأمين مصلحة الكيان الصهيوني أولاً، من خلال الموازنة بين عدوّين، أيهما أشد ضرراً على مستقبل الكيان.
في الوقت نفسه لا يمكن تفسير الموقف الروسي والايراني أنه في مصلحة الشعب السوري والدولة السورية، بل يجب القطع أنهما يقفان مع النظام لمصحلة ذاتية تتعلق بكل منهما، وينبغي عدم الانسياق الرغائبي في تفسير الأحداث والمواقف السياسية لكونها مع النظام على وجه الحصر والتعيين.
كان الأحرى بمصر وكل العقلاء العرب البحث عن موقف عربي متميز، بشأن ما يجري في سوريا، إذ ينبغي صياغة الموقف بطريقة أكثر دقة، حيث ينبغي اعلان الموقف الواضح والمطلق في تأييد الشعب السوري، وحقه في تقرير مصيره، واختيار حكومته وحكامه، وضرورة مغادرة مرحلة حكم الاقطاع السياسي فهو من مخلفات عصور الظلام والانحطاط، وفي الوقت نفسه النأي بالنفس عن التماهي مع الموقف الأمريكي الغربي الصهيوني الظالم، وكذلك البعد عن جر الصراع نحو الاقتتال الطائفي والمذهبي، ومقاومة ذلك بشدة.
أعتقد جازماً أن الأطراف الدولية جميعاً تريد عدم وقوع سوريا في قبضة الاسلاميين لا معتدلين ولا متطرفين، لا اخوان ولا سلفيين، وقد حاولوا صناعة معارضة علمانية لييبرالية، تصبح هي الوجه القادم لسوريا، ولكن ذلك لم ينجح، ولذلك تظهر بوادر تواطؤ دولي على سحق المنظمات الإسلامية المتطرفة والابقاء على الأسد في ظل نظام ضعيف ودولة محطمة وجيش مهلهل، وانقسام مجتمعي عميق، لا يقوى على النهوض فضلاً عن اليقين في عدم القدرة على تهديد (اسرائيل) بكل تأكيد.
لا مستقبل للعرب الاّ بالتفكير عبر منهجية جديدة، تقوم على بناء قوة عربية ذاتية موّحدة، بعيداً عن الارتباط والتبعيَة لقوة شرقية أو غربية ولا إقليمية الاّ من خلال المصالح المشتركة القائمة على النديّة والاحترام المتبادل، ويجب مغادرة مرحلة الغساسنة والمناذرة التاريخية، حيث كان المناذرة اتباعاً لامبروطورية فارس، والغساسنة اتباعاً لامبروطورية روما، وبكل صراحة لا يمكن الحل بالتبعية لروسيا ولا لامريكا، وكذلك ليس بالارتباط بايران أو تركيا، يجب التخلص من نظرية المحاور والتبعيّة بكل معانيها ونظرياتها ، ومقدماتها ونتائجها، وهذا ليس صعباً ولا مستحيلاً.
a.gharaybeh@alarabalyawm.net
العرب اليوم