الأخوان المسلمين في مصر وتحديات سد النهضه *د.نذير الدّلالعه
20-06-2013 07:56 PM
منذ تأسسيسها في مصر عام 1928 لم تواجه حركة الإخوان المسلمين تحديات مصيريه مثلما تواجه الآن. التحدي الأساسي هو ان هذه الحركه جائت الى سدة الحكم في ما قد اسميه الوقت الخطأ. الظروف الراهنه ليست في صالح هذه الحركه ، فيما يلي اعلل ما ادعي هنا
اولاً: فكرة الحكم في مصر لا تأتي مؤطَّرَه ضمن فكرة حكم مدني. تأسيس الدوله الحديثه هناك أتى مرادف لعسكرة الحكم بدايه بعبد الناصر وانتهت بمبارك. غياب الحكم المدني عزز المؤسساتيه العسكريه كإطار ذهني لدى الفرد المصري. لذلك كنا رأينا كيف وَثِقَ الشعب المصري بالجيش أثناء فترة الإحتجاجات الحرجه قبيل سقوط مبارك. إذاً فكرة التكيف مع كينونة الإخوان المسلمين في السلطه لن تتم إلا في حالة قيامهم بعمل عسكري او أن يؤججوا الخطاب العسكري كما فعل قبلهم جمال عبد الناصر. هذه النقطه تصب في النقطه التاليه.
ثانياً: هناك عاملان أساسيان تقليدياً يحددان شعبية القياده في مصر: الأول هو وضع القضايا العربيه في حساباتها. والثاني هو العلاقه بكافة جوانبها مع اسرائيل. بالنسبه للقضايا العربيه (أهمها القضيه الفلسطينيه) فهي غائبه اكراهاً عن الفكر الإداري للقياده المصريه فيما قد يُعبَرْ عنه بِـ "كلنا في الهم شرقُ" ، فحال المصريين ليس بأفضل من حال الفلسطينيين. العامل الثاني هو أن الإخوان المسلمين عند قدومهم الى الحكم كانوا على يقين ان خطابهم تجاه اسرائيل مراقَبْ ، لذا فإن أي خطاب عسكري والذي من شأنه أن يقوي قواعدهم داخلياً يكون لهم فتّاك على المستوى الخارجي وهم مجبرون على تجنب المواجهه مع اسرائيل. هذا يُشرح كالاتي:
لقد انتظر الاخوان المسلمون ما ينيف على ثمانين عاماً حتى تسلموا السلطه، خلال عقود الانتظار، ونتيجه لنهجهم في تسييس الامور لدرجة المواجهه التي قد نسميها "تحدي العَباطَه" التي كانت تتمخض عن الوضوح في مبدأهم وهو "إذا لم نَحكُمْ لا نُريد أن نُحكَمْ" ، وهكذا لَفَّ وجود الاخوان فكرة التحدّي والتي وعوا لها عند تسلمهم السلطه بأنه إذا اتّبعنا نفس المنهجيه في تسييس الأمور فأننا لا محالة سنخسر الشرعيه الدوليه التي خسرها من قبلنا اخرين كانوا قد تجرأوا على تحدي ما يسمى بالمجتمع الدولي وكانوا من الخاسرين. لذلك فأن خطابات ألإخوان التاريخيه بأنهم سوف يحررورها ، دعني أقتبس من إمام مسجدنا رحمه الله ، من المحيط الى "سُمْ قَطْرَهْ" ما هي إلاّ خطابات اشبه بكثير بتلك التي دوت في اعوام الستينات العجاف. لذا فأن القلق الدولي الذي سبَقَ تسلمهم للسلطه نستطيع ان نعتبره الان غير مبرر اذ ان العلاقه بين اسرائيل ومصر في عهدة الإخوان وَهُمْ كما نرى للعهد وافون.
العلاقه بين مصر وإسرائيل هي علاقه حتميه لا مفر منها. وصلت هذه الحتميه الان الى مرحله لم تصلها من قبل. حاربت اسرائيل حروبها مع مصر وتمخضت تلك الحروب عن معاهدة السلام التي خاف المجتمع الدولي على بطلانها في حالة قدوم الاخوان الى السلطه—جاء الاخوان ولم تبطل المعاهده ، حتى ان أي اجراء تعديل عليها لم يَرِدْ ، اذاً المعاهده اكتسبت بعداً شرعياً جديداً الذي من الواضح ، ومن خلال قلق اسرائيل ومعها الولايات المتحده عشية سقوط مبارك ، انه حتى اسرائيل نفسها لم تكن تحلم بهذه الشرعيه في هذه السهوله والسرعه. نصل الى الإستنتاج ان العلاقه بين الطرفين تصبح متكامله الا اذا جادل أحد ما ان الشعب المصري بأطيافه أو ببعض أطيافه لربما لا يتفق مع قادته باضفاء شرعية جديده على العلاقه بين مصر وإسرائيل . ردّاً على ذلك: لقد ثار الشعب المصري ودفع الثمن من أجل ان يرى منهجيه جديده في السياسه المصريه تجاه قضاياه الوطنيه والقوميه ولكن انبطاح الإخوان لإسرائيل والولايات المتحده يبدوا اشد حراره من ذاك الإنبطاح "المبارَكي" الذي دام اعوام.
فيما تبني إثيوبيا سد النهضه على النيل الأزرق ، يعلن وزير خارجية الولايات المتحده جون كيري استمرارية الامداد المالي الداعم لمصر والبالغ البليون والنصف سنوياَ ، ونربط هذا مع الإستثمارات الإسرائيليه في افريقيا بشكل عام واستثماراتها في مجال الطاقه في إثيوبيا بشكل خاص نستطيع فهم حجم الورطه الإخوانيه حيال اتخاذ اي قرارات من شأنها أن تُفهم على أنها تهديد للمجتمع الدولي. ولكن خرج الرئيس المصري الى الشعب في خطاب يوم الإثنين صرح فيه أن مصر ، بينما لا تريد حرباً فإنها ستدافع عن حقها في مياه نهر النيل. وأعلن مرسي ان كل الخيارات مفتوحه امام مصر.
في الواقع ليس امام مصر خيارات متعدده والخيار الأول الغير متوفر على الإطلاق هو خيار استخدام القوه. لم تقم حرب حتى الان لتسمى حرب الماء، ولا توجد الأرضيه العَدائيه بين مصر وإثيوبيا لكي تكون الحرب عليها ناضجه. انور السادات كان اول من تفوه بكلمات عن الحرب مع اثيوبيا، ولكن السادات كان قد انشغل بصنع السلام مع اسرائيل وبقيت مشكلة تنضيم مياه النيل عالقه الى اجل مسمى نشهده الان. ما نراهُ الان من خطاب عسكري، والداعي فعلا لوقفه، هو ان هذا الخطاب ليس منطَلِقاً من القياده المصريه، قد يكون من المتوقع ان تنطلق الخطابات العسكريه من قيادة الإخوان وبالذات في هذه الفتره لتحويل الأنظار عن المشاكل الداخليه التي يواجهونها، طبول الحرب تُدَقْ في الصحافه اليوميه وفي صفوف "السياسيين قسريا" كما نرى في حالة حمدين صباحي الذي دعى إلى إغلاق قناة السويس في وجه السفن الصينيه والايطاليه التي تساهم شركات من هذه الدول في بناء السد. إن استدللنا من ذلك على شيىء فإن الشعب المصري يريد أن يقود الإخوان وليس العكس.
ان عدم الثقه هو ما يحكم العلاقه في هذا العقد الاجتماعي. الاخوان المسلمون اذ يعانو من أزمه حقيقيه فهي "أزمة اللاحرب" في "ضل غياب السلام": الخنوع والخضوع المبارَكي بالخصوص للولايات المتحده ترك مصر مهزوزه وليس مهزومه، في هذا نعني أن دور مصر تقلّص، ولم تعد قادره على لعب لا دور سياسي ولا استراتيجي في المنطقه. كنا سمعنا عن كيف قتلت إسرائيل الجنود المصريين السته عندما كانت البلاد في عهدة الجيش. عندها رفضت أسرائيل حتى تقديم الاعتذار للشعب والحكومه المصريه. الاخوان المسلمون يعون تماما ان شعبيتهم في الضروف الراهنه لن تتحسن ويعون تماما ان الخطاب العسكري الذي يصدر من الصفوف الشارعيه سوف يتحول قريبا الى ابعاد جديده من عدم الثقه بالقياده الاخوانيه.
أزمة اللاحرب هي ان الاخوان المسلمون لا يستطيعوا ان يعتدوا على مُقدّراتْ المجتمع الدولي، الا اذا تغيرت الموازين، ونُقِلَ الصراع القائم الان في سوريا الى صراع مناطقي تحتم الضروف فيه قيادة الاخوان لعب دور بطولي قد يغير يعيد من امجادهم الخطابيه وبالتالي يصنع لهم شرعيتهم التي كتبوها خلال ثمانين عاما من الانتظار. اما عن سد النهضه فان كل المؤشرات تقول بأنه سوف يبنى شائت مصر أم أبت، وبالتالي لو استمر الاخوان باتباع سياسة البراغماتيه مع جيرانهم فإن ذلك بالطبع سوف يقلل من فرص الصراع ، ولكن كلما قلت فرص الصراع، سوف تنخفض شعبية الاخوان خصوصاً، ككلمه أخيره، في ضل التعنت الإسرائيلي بقبول فرص ومبادئ السلام في المنطقه.
n.aldalalaa@ncl.ac.uk