حواتمة ل"جودة" : جئنا لرؤيتك أيها الصديق!
جورج حواتمه
03-01-2008 02:00 AM
دعوة وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال لرؤساء تحرير الصحف للاجتماع به في رئاسة الوزراء نهاية الأسبوع الفائت أثارت حفيظة بعض الزملاء, مع أنها كانت ودية وتوقيتها مناسبا. التحفظ لم يكن مرده التردد في تلبية أي رئيس تحرير أو رؤساء التحرير مجتمعين لدعوة مسؤول أو وزير للقاء في مكتبه، وبناء على طلبه، بقدر ما كان نابعاً من أن مُوّجه الدعوة هو الآن "مسؤول الملف الإعلامي" في الحكومة الجديدة والمدعوون محررو صحف مستقلة وهم بالتالي مسؤولون فقط أمام مجالس إداراتهم.لنكن واضحين وصريحين هنا، فليس فقط رؤساء التحرير من يتساءلون عن وظيفة ودور وتسمية الوزير ناصر جودة في حقيبته وقبعته (أو حلته) الجديدة، وإنما الجسم الصحافي بأكمله.. فما إن جاءت الدعوة لاحتساء القهوة في مكتبه يوم الخميس الماضي حتى ارتبط بذهن الكثيرين السؤال عن مراميها وأغراضها، وحتى مشروعيتها، خصوصاً وأن وزارة الإعلام أُلغيت ولا أحد أراد أن يعتقد بأن دعوة اللقاء كانت فاتحة أو تمهيداً لعودتها..
الحقيقة أن الغالبية أجمع في عالم اليوم تدرك أن الوقت قد فات على إعادة وزارة الإعلام أو إعادة تعيين وزير لها، يقوم فيما يقوم به من وظائف، بدعوة أو استدعاء رؤساء تحرير أو صحافيين آخرين لاطلاعهم أو لمناقشتهم أو لتوجيه الرسائل أو حتى إبداء التوجيهات لهم كما كان يحدث في السابق قبل إلغاء الوزارة وقبل التحولات الديمقراطية.
قررنا الذهاب على أية حال، زملائي المحترمون وأنا، لرؤية صديقنا وزميلنا السابق ولرؤية بعضنا الآخر، ولمناقشة موضوع الإعلام فيما بيننا، والأهم من ذلك للاطلاع على سياسات حكومة المهندس نادر الذهبي والإجراءات التي كانت هذه الحكومة بصدد اتخاذها تجاه رفع الدعم عن المحروقات وتمرير موازنة الدولة للعام 2008، وذهبنا بالأساس للنظر في ماذا يمكن للإعلام والصحف أن يقدما أو يؤخرا في التعامل مع تفاعلات قضية تحرير الأسعار والنتائج المترتبة عليها.
القضية مفصلية ومهمة وحساسة، كما يعرف الجميع، وكان لا بد من مناقشتها والتحاور حولها ضمن الأطر الصحيحة ومن خلال استعمال المعايير والتقاليد الصحافية والسياسية الراقية.
مجرد تبادل الآراء، حول التطورات القادمة، كان يجب أن يتم في مضامينه الحقيقية وسياقه الموضوعي وإلا أصبح كحوار الطرشان في وقت وظروف لا تسمح بذلك..
ومن حيث أن دعوة الحكومة لنا للاجتماع جاءت في هذا الإطار، كان أيضاً لا بد من البدء في النقاش حول الأساسيات ولسان حالنا يقول: جئنا لرؤيتك أيها الصديق، الناطق الرسمي القديم الجديد ووزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الرسمي الحالي, وها نحن هنا. فاشرح لنا وضعك الجديد وقل لنا ماذا تريد منّا.. وبدورنا سنطلعك على آرائنا وسنتحاور معك حول ماذا نفكر فيه نحن في هذه الأوقات وتحت مثل هذه الظروف التي تواجهنا.
تحدث الوزير وقال إن اللقاء، الذي حضرته رئيسة المجلس الأعلى للإعلام، ومدراء دوائر الإعلام الرسمي، يهدف فيما يهدف إليه إلى منع "الخلط" بين الإعلام الرسمي والخاص وهذا توجه جديد نحو ما يمكن تسميته بـ"الإعلام الوطني". والتزاماً بما قاله رئيس الوزراء أمام مجلس النواب قبل التصويت على الثقة حول الإعلام الوطني، أوضح الوزير أن الهدف من هذا التوجه يرتكز إلى ضرورة التحاور حول القوانين والنظر من قبل الحكومة الى قطاع الإعلام بشكل "شمولي" أو "شامل" وليس بالتجزئة.. والخروج باستراتيجية "للعمل الإعلامي" وبالتحديد لتشريعاته ولمرجعياته، خصوصاً وأن تفكك المؤسسات الإعلامية قضية تطرق كل يوم وأن هناك انطباعاً خاطئاً عن مؤسسات الإعلام الرسمي الست من حيث إنها ناظمة للممارسات الإعلامية (REGULATOR) فقط وبالتالي لا توقعات منها بأن تكون "منتجة".
أُعطيت الأمثلة من قبل ممثلي الحكومة للدلالة على ضرورة أن يكون هناك وزارة تعنى بشؤون الإعلام، أو أن يكون هناك ضرورة لوجود وزير يعنى بشؤون الإعلام، دون عودة الوزارة "بمفهومها السابق".. ومن بين هذه الأمثلة وجود تشوهات في القوانين والأنظمة المتعلقة بالإعلام الحكومي.. ومثال على ذلك عدم وجود مرجعية لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، حيث لا ذكر لرئيس الوزراء أو الوزير في قوانينها أو أنظمتها، بما في ذلك الأنظمة التي تتعلق بالأمور المالية واللوازم، وكذلك عدم وجود قانون أو نظام يعفي المؤسسة من الجمارك أو ضريبة المبيعات في حين "جميع الاستثمارات الإعلامية" الأخرى معفاة، وهكذا..
رؤساء التحرير بالطبع استمعوا للوزير ولمعاونيه يحدوهم الأمل ألا يعني عدم عودة الوزارة "بالمفهوم السابق" عودتها "بمفهوم جديد"، ولا أعلم إذا كانوا اقتنعوا بالتطمينات الحكومية..
ما أعرفه عن نفسي هو أنني خرجت بانطباعات متباينة حول المضامين التي نوقشت، وبكل رحابة صدر من قبل الطرفين.. فمن ناحية تقبلت وجود الأستاذ ناصر جودة كحلقة اتصال بين الحكومة والصحف، مع أنني اعتقدت وما أزال أعتقد أنه يجب أن يكون هناك حلقات اتصال كثيرة وليست واحدة فيما بيننا، ومن الناحية الأخرى لم أتقبل ضرورة أن يكون هناك وزير للإعلام، تحت أي مسمى، إذا لم تكن هناك وزارة، وأيضاً عدم ضرورة أن تكون هناك مرجعية واحدة للمؤسسات الإعلامية الرسمية، حتى في ظل وجود تنافس بين الإعلاميْن الرسمي والخاص.
بالمناسبة ماذا حدث للمجلس الأعلى للإعلام الذي بدأ كمرجعية وانتهى من دونها، وهو المجلس ذاته الذي أسبغت عليه رؤية ملكية للإعلام والآن نتحدث عن استراتيجية إعلامية للحكومة لا نرى إذا كان هناك فائدة في الإعلان عنها في ظل وجود مقاومة صحافية وشعبية لتقبلها؟؟
لا أريد لهذا المقال أن يكون شبه "حدوتة" لما جرى ذلك اليوم أو أن أكون ناقلاً لأقوال ولآراء المشاركين لأنني لم أحضر بصفتي مندوب صحيفة وإنما كرئيس تحرير لهذه الصحيفة.
ولكن يجب القول إن انضمام رئيس الوزراء للقاء أعطاه بعداً آخر، لربما أكثر أهمية من مسألة وجود وزارة للإعلام أو وزير للإعلام والاتصال من عدمه، وفي مثل هذه الجلسة بالتحديد.
هذا البعد تمثل في مناقشة رفع الدعم وآلياته وهو موضوع الساعة، لذاته أولاً وأيضاً للتفاعل معه من خلال أطر إعلامية واضحة، وهذه قضية كبرى أخرى وقصة منفصلة بحد ذاتها، أريد الخوض في نقاشها وتحليلها.
لن يتسع المجال هنا للقيام بذلك، وآمل أن تكون تلك القضية موضوع نقاش جديد بيننا خلال الأيام القليلة القادمة.
بلا شك سيفرز التفاعل مع هذه القضية تجربة مفيدة ولربما مشوّقة مستقاة من طريقة تعامل الإعلام مع موضوع الساعة، وأتطلع معكم إلى التعلم منها والاستفادة من دروسها وحكمها.
george@alghad.jo