البعد الإنساني لروايات صبحي فحماوي
19-06-2013 03:42 PM
عمون- عقدت في منتدى الرواد الكبار ندوة لمناقشة البعد الإنساني في روايات صبحي فحماوي، تحدث فيها كل من الأساتذة النقاد؛ الدكتور محمد الشنطي والدكتور عبد الرحيم مراشدة، والروائي صبحي فحماوي، وعقّب على الحديث الناقد الأستاذ الدكتور يوسف بكار، وقدمت للندوة الأستاذة هيفاء البشير رئيسة المنتدى، وأدار الحفل الشاعر عبد الله رضوان، مدير المنتدى، ومما قاله الناقد الدكتور محمد الشنطي من جامعة جدارا – إربد- عمادة البحث العلمي والدراسات العليا. حول رواية "الأرملة السوداء":
هذه الرواية ذات حمولة رؤيوية متكاثرة ، ولعل من أهم منابعها الرئيسة، لغتها التي تحررت من القيود التقليدية، وثنائياتها المعهودة : عامية فصحى، وكثيفة مترهلة، مفصلة مجملة، صريحة مضمرة، جادة ساخرة، ولم تُقِم وزنا للتابو الاجتماعي في الخطاب، وهذا جعلها ذات حيوية خاصة وثّابة، تقضي مرادها كما تشاء، وكيفما تشاء، وتبوح بأسرارها (ما في قلبها على لسانها) وهذه من أهم خصوصيات لغة السرد عند صبحي فحماوي ، الذي ينقل إليك حوارات الذات والآخرين، طازجة بحرارتها، دون مواربة، فمن لغة الشارع، حيث الصعاليك والمهمشين، إلى أحاديث الحجر المغلقة، والمقاهي المفتوحة، وجدل المتفلسفين والمثقفين وفروض العلماء، ويصف لك الأماكن والحارات والمقاهي والمكاتب والمعاهد والمختبرات والمقابر والجادين والعابثين والعلماء والمرضى النفسيين والحكماء والمجانين في لغة ملحاح، مستقصية، تستنفد آخر رمق في نسغها ومخ عظامها .
تبدو لغة فحماوي دائما فائرة فورية، وليست معلبة أو مسكوكة ، يحمّلها أفكاره وخواطره ورؤاه وانتفاداته ومشاهدته ومعارفه ومتابعاته وذكرياته، وكل ما يخطر بباله، دون وجل أو تصنّع، يتدفق الكلام كتابة كما ينساب في أحاديثه اليومية، فليست هناك حواجز أو فواصل مصطنعة، تحول بينه وبين البوح الصريح، أفكارا ومشاعر ورؤى ، حتى عنواناته الفرعية مقدودة من لحم الوقائع، فهي ليست بوابة للدخول أنت مضطر للا ستئذان لتلج إليها، فلا يستوقفك حارس ولا بواب، إذ تواصل سيرك بزخم سيرك المعتاد ، تجوب مسالكها ودروبها، فلا تقف إلا حيث تشاء .
واللافت أن السارد يخلع على هذه الأماكن صفات الأنثى الولود، فجبل الأشرفية المتعالي على الجميع -كما يصفه- كأنه رأس ربة عمون الجميلة، وهي (ربة عمون) حامل بجبل النظيف، تمدد رجليها العاريتين في ينابيع رأس العين الرقراقة، وهنا يمزج الكاتب بين المكان والإنسان ويؤسطرهما معاً.
وينتقل الكاتب إلى فضاء مكاني آخر ينتمي إلى عالم الغياب وهو مقبرة (مصدار عيشة) فتكون حياة هؤلاء على تخوم الموت، وهذا وإن كان مكانا واقعيا، غير أن إيحاءاته لها دلالاتها الرمزية، والوصف المكاني الذي يقدمه الراوي يدل على مدى بؤس الطفولة، ومفارقاتها العجيبة ؛ فبراءة الأطفال اللاعبين المتشيطنين، لا تتم في واحات مزهرة أعدت لتدخل في نفوس الأطفال السرور والمرح، بل هي قبور الموتى، وأشباحهم التي يتخيل الراوي أنهم يتباطحون معها، فتتناثر كتبهم بين شواهد القبور، وهنا يختلط الحضور بالغياب، والموت بالحياة، حين تتناثر الشواهد، فتنمو وتتطاول بين بيوت الصفيح، والأمكنة يتعالى بعضها على بعض، شأنها في ذلك شأن البشر، فالأشرفية يعلو جبل النظيف، والمريخ يركب جبل النظيف، وهكذا .
إن المكان الذي يستحم فيه شهريار، ينفتح على أمكنة عدة في الرواية، ويعود بالزمان القهقرى إلى مرحلة الصبا، وهنا يختار الكاتب مرحلة عمرية تقف على حافة المراهقة، التي تتفتح فيها شهوات الجسد، ليرصد المعلم الاجتماعي مقترنا بالمعلم المكاني، الذي يدل عليه ويضيئه من الداخل والخارج .
أما المكان فمسور بطوب غير مقصور، وفوقه تنكات صفيح صدئة مزروعة بالفلفل، وأما النموذج البشري فهو أبوسحلول الأحدب، هذا الاسم الذي ينوء بحمولة ضخمة من التعاسة مذكرا بالسحالي، وآفة الحدب والانحناء أمام عواصف الزمان ، وأما الفلفل فهو رمز الشهوة التي تتدفق في دماء الزوجة( بهيجة) الذي اختار الروائي هذا الاسم لها بعناية فائقة، فيفجر مفارقة تجمع بين بهجة الأنثى وتعاسة الذكر، وهذا الاسم شاهد على المفارقة التي نجد أنها تنتظم الرواية من أولها إلى آخرها ، فبهيجة هذه بما تفيض به من رغبة، تصبح مصدرا جديدا لبؤس الرجل، الذي احدودب ظهره من شدة الشقاء، إنهما يعيشان في الزقاق، وهو مكان يجمع بين الضيق والحصار، وهذا المكان يشكل مأزقا معيشيا وأخلاقيا، وهو وسيلة الصبي الذي تفجرت ذاكرته عن مشاهد مخزونة، فيتبدى المشهد بعدسته الراصدة ، ليتمخض عن مشهد شبه جنائزي، يتدثر فيه أبو سحلول شبه الميت ببطانية سوداء، جادت بها وكالة الغوث، وهو يئن من المرض، وقد استنزفه وحشان كاسران؛ أولهما الكسارة التي يعمل بها نهارا ليكسب قوت عياله، وثانيهما بهيجة التي تمثل بالنسبة له كآبة مقيمة، وهي كسّارة أخرى يعمل بها ليلا، فتستنزف ما بقي فيه من قوى .
ويقدم الرواي لوحة بانورامية ناطقة للمكان، فالعنزتان والدجاج ومخلفات الطعام وسحلول والملابس الممهورة بصورة اليدين المتصافحتين المرسومتين على كيس الطحين على مؤخرة الرجل ، ويتمخض حرص الراوي على مزج الملامح البشرية لشخصياته بالأشياء - التي تمثل ملامح مكانية أيضا، فرأس شهريار يشبه صفيح زيت الكوكز المستطيل - عن تكثيف شديد لجملة المفارقات .
ومقابل وصفه للجسد النحيل البائس للرجل المريض الممدد، ثمة جسد ناضج ممتليء القوام فائر الماء، ومشية مترهدلة هانئة، ثمة ثنائية ضدية، تنطوي على مفارقة يضمها المكان والزمان، وهنا تندلق ذاكرة الصبي لتستخرج من عمق المكان شخصية أخرى أفّاقة، يحتضنها المكان، ويكشف أسرارها، ويمتاح من داخلها ما انطوت عليه من خلال (هي) إفراز لهذه الوضعية البشرية التي أنجبتها النكبة، فالغرفة الطينية الصغيرة الملحقة بالبيت يسكنها نموذج بشري آخر، أشبه بالمخزن الاحتياطي الذي تروي منه بهيجة ظمأها للحياة، وهنا يعتني السارد بوصف المكان وصفا معماريا حاذقا، ليكشف فيه عن مكنونات النفس، وكأنما يتتبع تضاريس مكان داخلي خفي، يكافىء الأغور الدفينة لهذا المخلوق الأفاق.
يعمل الراوي على إماطة اللثام عن "نموذجه الجديد"، بوصفه وصفا انتقائيا كفيلا بإبراز ملامحه النفسية، فهو الدرويش المرائي، الذي يملأ الدنيا جلبة وضجيجا، متظاهرا بالتقوى، عيونه صقرية، ويعمد الكاتب إلى توظيف المكان لكشف مماراسات الدرويش، الذي يغلق غرفته، ولا يخرج إلا إلى مرحاض صغير قابع في حوش الدار ، وقد استطاع هذا الدرويش اللئيم أن يداوي خصمه بالكي، الذي ظل شاهدا، ودرسا لم يتعلم شهريار أبلغ منه .
لقد حرص الراوي على أن يرسم خريطة المكان بدقة متناهية، ففي مقابل الصعود المرهق مشيا على الأقدام في جبل النظيف " يواصل صعود سيارته على سفح عبدون الشرقي الذي يبدأ شعبيا، ثم تتضخم المباني، وتتجمل كلما ارتفعنا إلى الأعلى.. " وفي مقابل بيوت الصفيح والأزقة الضيقة، تبدو حديقة المنزل التي تقع أسفل السفارة البريطانية على نحو ما جاء في الرواية .
وتبرز محطة مكانية أخرى تتمثل في محكمة الجنايات الكبرى، التي أصبح يعمل فيها ذلك الصبي الشقي، القاطن في بيوت الصفيح، مدعيا عاما، وقبل أن يصل إلى ذلك المكان المحتشد بقضايا من كل صنف ولون، يطل من سيارته الفارهة على اللوحة الاجتماعية التي تسجل تيار الحياة اليومية في الشوارع والساحات، فيفترع أسرارها ويطّلع على همومها، ويلتقط بعدسته الرهيفة ممارسات مختلف الشرائح في قوقعاتها المكانية الخاصة، ممثلة في السيارات والأكشاك والمحلات..
ولكن الراوي يركز منظاره على المرأة، وهي إلى جانب رجلها تستحثه بمهمازها ، أو وهي منفردة تعنى بزينتها ، أو وهي مكسورة مهيضة الجناح، تلقي باللائمة على زوجها لما آل إليه مصيرها، وهي الجانية والمجني عليها في آن، ولكنه يطارد المرأة، متهما إياها بإشهار سلاح الإغراء . ويبدو السارد منحازا ضد المرأة فيما اقتبسه من رواية جورج أوريل عن النساء اللواتي لم يغسلن وجوههن، بل غطين الأوساخ بالمساحيق (ص30) ، ويعدد ما تخفيه هذه الأصباغ من عيوب على نحو استقصائي مقصود وبتفاصيل مذهلة، في لغة متدفقة، تحمل نكهة الأنثى وخصوصيتها .
المكان ينهض بدور مهم في تنشيط الذاكرة، على نحو ما نرى عند شهريار، الذي تظل المرأة محور تفكيره من المحكمة إلى الشارع إلى البيت ، حتى مخيلته تتحول إلى ساحة مكانية متسعة ، وهذه المخيلة كالقصة الإطار، التي تتناسل منها الحكايات، واحدة تلو الأخرى في ألف ليلة وليلة، والتي تتداخل نصوصيا مع شخصيها الرئيسين، والأماكن كذلك تفرخ في مخيلته؛ فخريبة السوق، وجامعة الإسراء، ومتنزه تنابلة السلطان، كل تلك الأماكن تتحوصل لتصبح محطات، تتطور من خلالها الوقائع، لتصل بالرواية إلى ذروتها ، حيث المنافي في مختلف قارات الدنيا الخمس، فيروي قصة التشريد والتهديد والاضطهاد ، ومأساة العصر من خلال قصة أسرة ، ومحورها في الانتقال عبر الأمكنة والأزمنة .
يبدو المتنزه الذي اختار له اسم تنابلة السلطان أشبه بفضاء يتسع للثرثرة الأنثوية وللكشف عن مكنوناتها ، فقد أفسح المجال لمناجاة الذات وللتفكير والتأمل وحديث النفس، وفي مجملها كانت تدور حول المرأة، استمع إلى كثير من الحكايات والقصص، بدا فيها موجها اهتمامه نحو القضية الأساسية التي شغلته عن المرأة وأنانيتها، وتحفزها لمناكفة الرجل والتغلب عليه .
لقد بدا المكان وسيلة للكشف عن كثير من الجوانب المتعلقة بهموم شهريار، وأتاح له الحيز المكاني أن يكتشف مكانا آخر موازيا، يتمثل في ذاكرته ومخيلته، ففي المحكمة يستدعي عبر القضايا التي ينشغل بها المدعي العام الكثير من الأماكن التي تدور حولها القضايا بنماذجها البشرية، والتي يبدو الكاتب وكأنه يختزلها في قضية رئيسة تشغله هي قضية المرأة .
إن هذا الكم الهائل من المعلومات والقضايا والوقائع المتعلقة بأسرة شهريار والجيران في جبل النظيف، تضيق به الفصول، وتحتشد احتشادا هائلا يكاد يفيض من بين السطور ؛ فهذا التدفق الهائل حول المكان الواقعي والمتخيل، يذكرنا برواية الحرب والسلام لتولوستوي، بما تكتظ به من وقائع في الأمكنة والأزمنة، إنها ملحمة تحكي قصة شعب بكامله ، كالعين التي خرجت من محجرها وسال ماؤها، فغطى وجه صاحبها. لقد ضاقت عمان بأسرة شهريار كما ضاقت بغيرها من الأسر، ففاضت إلى دسلدورف وفرانكفورت، وجاس شهريار بأبيه ديار المنطقة من النظيف إلى عبدون إلى الدوار الخامس إلى المركز العربي .. إلى... هذه التوابل الكلامية التي يطلقها صبحي فحماوي في فضاء روايته بغزارة تنهمر بلا انقطاع، ويختار لها الأمكنة التي تناسبها، يديرها في وعي الشخصية، وعلى لسانها، وفي مناجياتها؛ منكافات الأزواج، وهمسات القلوب، وخلجات النفوس، وهمسها السري، وثرثرتها العلنية، وسلوكها المشروع، وغير المشروع .
البيوت أيضاً من الأمكنة الحميمية الخاصة المهيأة للبوح ؛ لذا يهتم بوصفها بدقة من حارة السلالم إلى عبدون، ومن عمان إلى الرمثا إلى الكرك إلى فندق عمرة ، ومن الأردن إلى ألمانيا ، إن المكان يوفر للسارد سبل الحكي المختلفه، فهو يتدفق بعشرات القصص عن العائلة وأنسبائها وجيرانها وأقاربها ومعارفها في دردشة لا تنتهي، وهذا الحكي الحميم توفر له الأجواء هذه المظلة المكانية ، يلجأ الكاتب إلى إنتاج السرد ملخصا ومصورا، وينبش في ذاكرة الشخوص، وفي نفوسهم وقلوبهم، بما يوفره له الراوي العليم، الذي يتسلل إلى بواطن نماذجه البشرية، ويفسح لنفسه عبر الأمكنة فيلتقط ما يشاء كما يشاء، ولعل طبيعة الملحمة الاجتماعية، قادرة على استيعاب كل هذا الفيض الزاخر من الوقائع والتفاصيل دون حرج ، ويتيح للكاتب أن يتأمل ويحلل ويعلق، ويستثمر الاسترجاع في مواقف بعينها عبر التذكر، وحتى تلك الذكريات يوظفها الكاتب للقضية الأساس، التي تمثل محورا رئيسا في الرواية :
" ويتذكر أنهم كانو أيام حارة السلالم يأكلون اللحم ثلاث مرات أسبوعيا ، وعندما تختفي اللحمة يوما واحدا من الثلاجة يجد أمهم تصيح في وجه أبيهم قائلة : "ليس عندنا لحم". فيقول لها زوجها : "يا مرة اذكري الله، وقولي الحمد لله، وافهمي أن الاقتصاد في النفقة نصف العيش." فتقول له: إذا كنت لاتريد أن تصرف نقودك على البيت، فأين ستصرفها ؟ هل تريد أن تتزوج مرة جديدة غيري؟"
ولعل المحطة المكانية الثالثة، من أهم المحطات التي استثمرها الكاتب في حشد كل ما يستطيع حشده من وقائع وأفكار ومعلومات، يستدعيها من الكتب والمجلات والتاريخ والجغرافيا عن سارتر وسيمون دي بفوار ، لكن الأهم هو استثمار المكان لاستجلاب شخصية رئيسة جديدة، تولد فجأة في رحم العيادة النفسية، وهي المحطة التي يتفرغ فيها لحل عقدة شهريار الرئيسة، التي تولدت عنده عبر مسيرته الطويلة من أيام جبل النظيف، وبهيجة والدرويش ، وغذتها تجربة المحاكم والعلاقات والاحتكاكات بأنماط مختلفة من البشر .
هنا تولد أسرة جديدة بقصة جديدة من القصص التي تناسلت في رحم النكبة، أسرة شهرزاد التي يلتقي بها شهريار في عيادة الطبيب النفسي بديع الطاهر ؛ هذا الاسم المختار الدال على الإبداع والطهر في آن ، أسرة تكوّنت في الغربة ، وترعرعت في صحرائها وحرمت عليه العودة إلى رام الله، بلده ووطنه، ويعود الكاتب إلى قوقعته المكانية، ليقدم لنا شخصياته وتواريخ كفاحها ونضالاتها من أجل تأسيس المكان( حلم العودة والاستقرار)، فيروي قصة شهرزاد وشراء والدها للأرض في ضاحية الرشيد، وبناء الشقق وما إلى ذلك .
وكل هذه الوقائع يلتقطها (الراوي العليم ) من شرود خيال شهرزاد في تاريخ أسرتها وتأملاتها في ماضيها وحاضرها، ويلاحقها في خواطرها وما يدور في وعيها من أفكار حول ميراثها من أبيها، واستئثار إخوتها بشركة الزيوت التي كان يمتلكها والدها، وحواراتها مع أمها، وتفاصيل حياة إخوتها ، ويستثمر أسلوب النجوى والحديث النفسي، الذي لايصل إلى مستوى تيار الوعي، لأنه يظل منطقيا ومتماسكا ومحتفظا بقوامه اللغوي النحوي دون تقطع أو غموض أو هذيان ، ويلتمس الكاتب لحظة اللقاء، ليوجد آصرة جديدة بين شهريار وشهرزاد ، وكلاهما يحضر للحصول على درجة الدكتوراه من المكان نفسه، وهو الجامعة الأردنية، وكما تتدفق اللغة في فضاء المكان، تتحدر المعلومة كالماء السلسبيل، كم وافر من المعرفة، تجري على لسان الشخصيتين، ويبرز محور جديد له طابع علمي، هو الاكتئاب (ص 97.)
إن المعلومة التي تتمثل في حشد الإحصائيات والمعارف التي توفرها ميدانيا ونظريا، تبدو تقنية جديدة من تقنيات السرد عند فحماوي، وهي تقنية عرفها بعض الروائيين مثل، غازي القصيبي في روايته (العصفورية)، ولكن فحماوي يستخدمها على نحو آخر مختلف وبأسلوب التداعي المنظم، كل معلومة في موقعها المحدد؛ فحين يتحدث عن أسماء الأعاصير الأمريكية، يأتي ذلك في سياق الكلام عن المرأة وسطوتها؛ مشيراً إلى أن الأمريكيين يسمون الأعاصير باسم الأنثى، لأنها تشبه المرأة، فهي تزمجر وهي قادمة، ولا تخرج إلا بعد أن تأخذ بيتك وسيارتك، وقس على ذلك هذا الحشد الهائل من المعلومات، والمعارف، والإحصائيات، والأشعار، التي تبدو عبئا على السياق السردي، كما في (ص.157 وص.158. )
اختار فحماوي وسيلة ذكية ليقدم لوحة اجتماعية تتناسج فيها شتى الخيوط ، مركزا على القضية الأساسية التي تدور حول استنزاف المرأة للرجل، وتتمثل هذه الوظيفة في المحكمة، النافذة المكانية التي يطل من شرفتها على عالم يبدو مسرحا لعلاقة الرجل بالمرأة، وما تفرزه من تداعيات ، لذا تتناسل الحكايات والقصص على نحو غزير ، يبدو عصيا على الإحصاء.
ولكن فحماوي لجأ إلى إنهاء روايته بقفلة محكمة تصالحية، حين اختار أن تتحول "جمعية حماية الرجل"، فتكون "جمعية لحماية الإنسان" ، وحين اختار أن تكون الضحية امرأة خادمة شرقية، اغتصبها رجل أعمال، اختار له اسم (مقتصد المواردي) وهو اسم ينطوي على مفارقة، وحين قرن بين شهريار وشهرزاد في حصولهما على الدكتوراة والاحتفال بهما معا في جمعية حماية الإنسان .
هذه القفلة حققت رغبة الكاتب بتقديم رؤيته الخاصة، التي ظل يلح عليها طيلة الرواية ، ويعزف على وترها، موحيا للقارىء بأنه منحاز ضد المرأة، ليحكم في النهاية بالعدل والقسطاس.
لقد كان وفيا لفكرته ، ووفاؤه هذا كلفه الكثير من الجهد، الذي ربما كان يعادل جهود الباحثين في هذا المجال، وأراد أن يوثق معلوماته، فأفرد لذلك ملحقا بالتوضيحات والمراجع .
ومما قاله الناقد الدكتور عبد الرحيم مراشدة، من جامعة جدارا بعنوان : الغرائبية والعجائبية في رواية (الاسكندرية 2050) : تحاول هذه الورقة تسليط الضؤ على رواية عربية حديثة أخذت بعين الاعتبار تحولات الرواية العربية ، وتمكنها من استيعاب التحولات في النصوص الروائية العالمية ، من حيث أنها قادرة على تناول موضوعات تتعالق مع منتجات الحضارة الإنسانية ، ولم تتمركز حول موضوعات تقليدية وواقعية اعتيادية ، من حيث راح يفيد الروائي العربي من التقنيات الحديثة والمنتج الإنساني العالمي، ومن هنا جاءت فكرة هذه الرواية في سعيها لإثبات مكانتها على خريطة الرواية العربية ، من جهة ، وللحاق بالأدب العالمي.
ومما شجع الباحث على تناول هذا العمل ، أن الروائي يتمثل الصراع الدائر بين الحضارات ، ومدى خطر هذا الصراع على الوجود الإنساني، ثم ما ينتجه الإنسان من أشياء تسعى إلى تهديم الإنسان في وجوده على الكون، ومن هنا راح يلفت الانتباه إلى إمكانية وجود إنسان يعيد آليات التفكير فيما هو عليه الآن ، ويسعى في الوقت نفسه إلى تأسيس فكرة التقارب بين الجنس البشري الواحد ، لتأسيس حضارة كونية إيجابية لهذا المخلوق الإنسان، بعد أن تلوث به الوجود ، ومن هذه الزاوية كانت الشخصية المحورية هي ( مشهور شاهر الشهري) ممثلاً لإنسان المستقبل /الحلم ، من خلال شخصية أخرى/ الابن برهان – العالم في الجينات – ومن خلال ما توصل إليه هذا العالم عن طريق إنتاج الإنسان الأخضر ، لا سيما وأنه اشتغل في تجربته بداية على ابنه كنعان ومن ثم على حيوانات مختلفة .
والرواية تصب باتجاه استشراف المستقبل ، وتجاوزالحاضر ، بحيث تتــخيل وقائع خارقة للعادة ، وهذا ما ينتج ما اصطلح عليه البعد الغرائبي والعجائبي ، وقد يدخل في باب الخيال العلمي.
والرواية التي بين أيدينا تمضي في سياقاتها إلى اختراق الحاضر والقذف بنا إلى المستقبل ، منذ العتبة الأولة للرواية ، حيث نجد انها سُميت بـ (الاسكندرية 2050) ، وقد عرف تاريخ النقد الحديث مثل هذه التصورات، والكتابات التي سعت غلى استكناه المستقبل، والإفادة منه في الكتابة الإبداعية، وكلنا يعرف حضور النبوءات ، ومحاولات الإنسان الحثيثة لمعرفة ما يمكن أن يجري في المستقبل، ومنذ قديم الزمان ، ولعل مسرحية (أوديب ملكاً) لسوفوكليس من الأمثلة المهمة على هذا التوجه الإنساني، والتفات المبدع إلى هذه الأشياء .
وصبحي فحماوي روائياً ، يتقن ببراعة التلاعب بخامة اللغة ، ويوظف مستويات عدة منها في روايته ، ليس الفصحى فقط ، حتى أنه يتناول لهجات من فلسطين ومصر وبعض مكونات الريف في هذين القطرين. لقد توسل الروائي هنا في روايته بالاتكاء على ما يعرف بالغرائبية والعجائبية ، وما يتضمنه هذا المنحى من قدرة على العبور لما وراء الأشياء ، وتجاوز الأزمنة والأمكنة الواقعية والتقليدية ، ثم أنه لم يكتف بهذا بل توسل بتوجه آخر، وهو الإفادة مما يعرف بـ ( رواية المستقبل ) تلك الرواية التي تحاول استشراف ما يكون وتأسيس فضاء متخيل مختلف عن الواقع وإن كان يتصل به بخيوط ما ، وهذا العبور أيضاً جعل الروائي يتكئ على المنتج الحضاري والإنساني الهائل ، والتقدم العلمي الذي يبهرنا يومياً بأشياء كثيرة ، مما حدا بالروائي إلى دمج الخيال العلمي ‘ إضافة إلى الخيال الأدبي في مدونته الروائية هذه .
و يحاول فحماوي هنا بوصفه روائياً ، اجتذاب أكبر قدر ممكن من القراء ، ثم أن هذا التقسيم يعطي فرصة للتأمل والربط بين اللوحة والأخرى، لا سيما عندما تنطوي كل لوحة على قصة، تبدو قائمة في ذاتها للوهلة الأولى ، ومتوالدة من قصص أخرى ، أو ما يعرف نقدياً بـ ( القصة الإطار) ولنضرب مثالاً على مدى تعالقات العنوانات في اللوحات ، بالتراث والتاريخ ، والذاكرة العربية ، والعادات والقيم والسلوكات.. ومن ذلك مثلاً : ( أفعى أم جرس ، درب البنات شوك ، شي لله يا سيدنا البدوي ، نساء كاسيات عاريات ، افتح يا سمسم ، بُلطية أنفوشية ، خنافس ، سراويل ، فطير مشلتت ... )
ما دفعنا لهذا القول ، الخاتمة التي جاءت على لسان الراوي، في نهاية الرواية ، حيث نجد الــسياق التالي ، الذي يمــثل رحلة الــعودة من الــغربة ، ومن آخر محــطة – دبي – بعد أن دبر أموره هناك ، ليحل على مسقط رأسه بعد عمر ناهز المئة والسنتين من الأعوام ، ميتاً ، وفي ذلك حنين ووعي لافت ، وهو العودة إلى الجذور والوطن الذي لا يمكن التخلي عنه ، مهما طال الاغتراب ، وبعد إنجاز المشروع العلمي والإنساني الهائل ،على يد الابن (برهان) ، الذي تمكن من النجاح في مشروعه القائم على خدمة الإنسانية وانتشالها من التلوث الفكري والبيئي ، وانتشال العالم من الشر والحروب ، وما إلى ذلك ، إنه الحلم الذي تتوق له الإنسانية ، ومن هنا جاءت سلالة الخضر ، بدءا من الحفيد وانتهاء بتعديل جينات البشرية ، وكان اللون الأخضر وجماعة الخضر دلالة على البعث والخصوبة والتجديد ، كما هو معروف في الذاكرة الإنسانية ، والأسطورية ، لينبض قلب الإنسانية والحضارة بالأمن والسلام والعدالة والنقاء ..الخ .
واللوحة الأخيرة – الصندوق – تطالعنا بالسياق التالي على لسان الراوي : " تدبر أمورك في دبي، وتنتهي أعمالك هناك وتعود إلى عكاك القديمة ، فيستقبلك أسباطك وأطفالهم، أحفاد سمر – ابنة الشهري -تُقبِّل بوابة عكا الخشبية العملاقة، وتمشي معهم في حواريها وأزقتها .." حتى أن الشهري يذوب في مياه عكا وبحرها ويتماها معها ، بقدر الشوق والعشق لها." ثم يلحظ المتلقي القفلة النهائية للرواية، التي تشكل ربطاً فنياً ومهماً مع البداية، لتمسك بإيقاع الرواية العام، حيث نجد العودة إلى الراوي على لسان المخابرات العامة : "بقلوب مؤمنة بقضاء الله ، ويعتصرها الأسى ، ننعى وفاة المرحوم المهندس مشهور شاهر الشهري عن عمر ناهز المائة وسنتين، قضاها في الأعمال التي دوّناها أعلاه، وبعد الصلاة عليه في مسجد ظاهر العمر ، تم دفنه في مقبرة عكا الجديدة ، بحضور أبنائه وأحفاده وأحفاد أحفاده، وأهالي عكا الكرام ، بتاريخ 25/9/2051 ، بعد أن أتم روايته – شبكة المخابرات الخاصة ".
وتبدو العجائبية والغرائبية هنا محلاً لتقديم سيرة الحياة والعالم ، كما يمكن أن يكون ، إنه الحلم الذي تطمح إليه الإنسانية .
ويتجلى العجائبي والغرائبي في الرحلات الفضائية التي يقوم بها برهان المهندس ، وكنعان وألبينا ، فينقلنا بوصفنا متلقين إلى فضاء متخيل علمي ، يتجاوز الواقع والممكن ، ومن ذلك السياق التالي : "عند بوابة مبنى المطار ، تقف العربات الفضائية الهيدروجينية ، تحمل الركاب بالدور .." ويبلغ الحلم مداه عند برهان في السياق: " عالم الهندسة الوراثية يا أبي ، هو نوع من الجنون والعشق ..فقدماء علماء الفراعنة فكروا في الهندسة الوراثية وتوجوا أفكارهم بتمثال أبي الهول العظيم .. المتمثل في دمج رأس إنسان مفكر في جسد أسد هصور ..ولكننا لا نريد دمج الإنسان مع الأسد بل دمج الأسد مع النبات ، والإنسان مع النبات ، وكل حيوان مع نبات ، فيظهر لنا حيوان نباتي ، لا تعتمد حياته على غريزة الصراع من أجل البقاء ، بل البقاء من أجل الحب .." إذن الهدف تغيير وجه الإنسانية وشرورها، لينتشر الحب بدل الكراهية والأمن والسلام بين بني البشر والمخلوقات.
الروائي في هذا العمل بصدد إعادة الاعتبار للإنسان ، والحياة ، والوجود، كما يمكن أن تكون خالية من التلوث والخلل، فهو يريد على أقل تقدير أن يعقد مصالحة بين الإنسان والحياة ، لتسير بشكل صحيح ، ومن هنا عمل على تذويب الحضارات في ذاكرة الشخوص المختلقة (الخضر) ، بوصفهم منتجا بشرياً يتمتع بالنقاء والنظافة ، والرقي ، ولهم القدرة والكفاءة على إعمار الكون ، بدل الإنسان الذي يعيش على الكون الآن ، لتغدو الحضارة الإنسانية واحدة ، والعالم المقسم لعوالم ليصبح عالماً واحداً ، والأجناس البشرية المتعددة الأعراق لتصبح جنساً واحداً، وهذا الذي نذهب إليه ، يسنده النص الوارد على لسان المهندس برهان : " نسعى لخلق عالم بلا تحديات ! نريد جيلاً أخضر يعيش بلا خوف ! بصراحة ، نريد جنة على الأرض. ولو زرتنا في المعهد ، لأخذتك إلى محمية غابة هيسن ، حيث تشاهد الحيوانات الخضر تسرح وتمرح في الغابة ، ...لقد لاحظنا تطوراً في سلوك هؤلاء الذين صاروا يجلسون بهدوء ، غير قلقين على شئ .. ويفكرون باللقاءات الجماعية ، ويتعانقون بهناء ...يمارسون الجنس للمتعة وليس للتكاثر ، الذي صار يتم هذه الأيام بالخلايا " .
تبقى هذه الرواية من الروايات الإنسانية الهامة، التي جسدت حلم الإنسانية المستقبلي ، ويبقى الروائي في منجزه هذا علماً لافتاً على صعيد الكتابة الروائية المنحازة للإنسانية والعالمية في آن ، وبتوسل الروائي صبحي فحماوي وتمثله لممكنات السرد الروائي، ولتجاوزه الاعتيادي والتقليدي في الكتابات الروائية ، وتمثله للمنجز الحضاري الذي نعيش يكون قد قدم رواية ناجحة، أخذت طريقها بقوة إلى جانب الروايات، ليست المحلية والعربية فقط، وإنما العالمية، حيث شق دربا وأسلوباً لا يشير إلا إليه.
وفي الختام تحدث الروائي صحب فحماوي تحت عنوان: "البعد الإنساني لروايات صبحي فحماوي فقال:
الأخوات والإخوة الأفاضل، ولا أريد أن أقول: "السيدات والسادة."، ذلك لأن مفهوم السيدات والسادة قد انتهى.. منذ أن انتهى "عصر العبيد".
لا أستطيع الحديث عن الغزل والرومانسية والجماليات في رواياتي بينما شعوبنا العربية تهان وتُضطهَد إلى هذه الدرجة، وتُذبح من الوريد إلى الوريد، وكلنا أمل أن تُوجّه الطاقات الثورية لما يسمى ب"الربيع العربي" كلها نحو فلسطين، ذلك لأن فلسطين المحتلة هي بؤرة الصراع الحقيقية، وأما ما يدور حولها من صراع في الوطن العربي، فليس سوى دوائر ناتجة عن سقوط حجر نيزكي في بحيرة فلسطين.
ولهذا السبب جاءت روايتي "الإسكندرية 2050" لتطرح تصوراً جديداً للسلام والمحبة بين الناس وحتى بين الحيوانات، من خلال إنتاج إنسان أخضر، وحيوان أخضر، يتغذيان من التمثيل الضوئي، وبذلك يتوقف الصراع على سطح الأرض، ويتوقف الإنسان عن قتل أخيه الإنسان، ولا يأكل اللحوم ولا الأطعمة، وتتوقف الحيوانات عن أكل فرائسها وأطعمتها، فيعيش الناس والحيوانات على الأرض بأمان ومحبة دافئة..لا تستغربوا وجهة النظر التأملية العلمية المستقبلية هذه، خاصة وأن مصادر الطاقة كلها هذه الأيام تتجه للاستفادة من أُمِّنا "الشمس"، فلماذا لا يأخذ الإنسان والحيوان طاقته من الشمس أيضاً، بدل "الترمم" على منتجات الأرض من حيوانات ونباتات؟
وفي روايتي (حرمتان ومحرم) صورت قيام آليات أعداء غرباء تخرج من البحر فتُجرِّف الأرض الفلسطينية وما عليها من أناس ومبان وأشجار، وتردم الآبار، وتشفط المياه، وتحاول إلغاء الآخر..وصورت الفلسطينيات المضطهدات وهن يناضلن في الصحاري البعيدة للحصول على لقمة عيش لأهلهن المقتولين تحت الحصار..فكانت رسالة روايتي "حرمتان ومحرم" إنسانية بحتة، إذ إنها ترفض الظلم، وخاصة على المرأة العربية أينما كانت، وتبحث عن الإخاء والمساواة ، وتحقيق السعادة.
وفي روايتي "عذبة" صورت قصة حب طفل وطفلة، انفصلا عن بعضهما تحت إرهاب زخات نيران المحتلين الغرباء عام ثمانية وأربعين، فبقي عماد المنذر المُهجّر في الفيافي والقفار العربية يحلم بالعودة إلى محبوبته عذبة، التي بقيت في انتظاره في وطنه حيفا.
وفي روايتي"قصة عشق كنعانية" استطعت إعادة إنبات المجتمع الكنعاني العربي بكل ما فيه من قصص عشق وغرام، إذ تتجول في ربوع فلسطين وسوريا الطبيعية كلها، وحتى بلاد الأمازيغ الكنعانية العربية المغربية، حيث الآلهة الكنعانية إل، وعشيرة، وبعل رب الخصب والنماء، وعناة ربة الطُّهر والزواج المقدس، وعشتار البغي المقدسة، بما يقابلهم من الرب موت الذي لا يفعل سوى الشر في أرض الكنعانيين، تلك الديانة التي كانت الموحدة الأولى بالله، بكونه إلهاً لجميع الكون، وليس لأمة وحدها، تعتقد أنها "شعب الله المختار".
وفي روايتي "الحب في زمن العولمة" التي كتبتها في عام 2000، تنبأت بهذه النهاية المحتومة للرأسمالية المتوحشة، التي اتضحت اليوم، وانكشفت بشاعاتها بثورات ما يسمى الربيع العربي، من خلال قصة حياة الملياردير (الشواوي) المصاب بالإيدز من أول صفحة في الرواية، وهو يهذي على سرير الموت، فيقص عليك قصة حياته المدهشة، وهو يمارس الأساليب التي تسلكها هذه الرأسمالية المتوحشة القائمة على (حرية) النهب والسلب، واستخدام كل الموبقات الإنسانية، والجنسية، وجرائم القتل "بحُرِّية تامة"، واللعب بشعوب العالم، ما يسمونه في مصر" الثلاث ورقات " ، والاستهتار بتدمير البيئة التي نعيش عليها في هذه الأرض، التي لا يوجد مثلها في الكون كله..ربما! لقد اتجهت رواية "الحب في زمن العولمة" لتصوير بشاعة حرية الرأسمالية المتوحشة، وطالبت بنوع من "الحياة الكريمة" القائمة على العدل والمساواة، ولكن بطريقة قصة ممتعة مشوقة مضحكة مبكية، ذات مسحة إنسانية.
وفي روايتي "الأرملة السوداء" صورت العلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة، وذلك بشخصية شهريار الحداثي، المُعقّد من المرأة، ولكنه عندما يكتشف جماليات شهرزاد، ويسمو بهما العلم، بتخرجهما من الجامعة الأردنية، والعمل المتكافىء في الميدان، يعيش معها في محبة فائقة، واحترام متبادل. إنها رواية محَبة إنسانية، تحتاج لمن يقرأها ويتمعن في قصصها الكثيرة الساخرة، المضحكة، المبكية.
وتستغربون في روايتي السابعة "على باب الهوى" أن إهـداءها كان: "إلى كل من لم يَرشُ، وإلى كل من لم يرتشِ!" وهي رواية إنسانية تصور أن "الرُّشى"، التي لا يُنفّذ عمل من دونها، هي سبب البلاء في هذه الأمة العربية، وهي سبب الجوع الشديد والشبع الطافح فوق التحمل، وهي مصدر الثورات الحالية. إنها رواية مفعمة بقصص الحب والغرام والغرابة، وهي تصور التنقل من بلد أوروبي إلى بلد آسيوي، وفيها توقف مرير "على باب الهوى"، وصولاً إلى عمان الحبيبة، وهي تدهش القارىء وتضحكه وتبكيه، كما كتب أ.د. جورج جحا من الجامعة الأمريكية في بيروت لوكالة (رويترز) عن رواية سابقة لي بأنها (قهبكة)، أي قهقهة ببكاء.
ولا أريد الحديث عن روايتي الثامنة"سروال بلقيس" ليس خجلاً من ذكر هذا السروال العجيب، وليس إخفاء لصورها الإنسانية المفجعة، ولكن لأنها لم تصدر من دار نشر بعد.