كم هو مؤلم أن يشاهد المرء بأم عينه تدافع المشايخ وأهل الفتوى والعلم ممن لهم باع طويل وتاريخ كبير في الفكر الأسلامي والدعوة الى الله لاستصدار فتاوى على الطلب والمقاس وكم هو مؤلم أن نرى كبار المشايخ يتساقطون عند توظيف الدين لخدمة الغرض السياسي وعند توظيف الفتوى كأداة في الصراعات ..
تكفير المسلمين بعضهم لبعض وضربهم لرقاب بعض لحساب الآخرين وترسيخ هذا النهج الذي لا يخلو من الجهل الاستراتيجي وسيادة ثقافة القتل والتدمير التي تخالف الحقيقة الثابتة بأن الله جعل الإنسان خليفة للأعمار والبناء لا للقتل والهدم يلقي بظلال عميقة من الشك على شخص المفتي وغرضه لا بل ومستوى فهمه فمتى كان الخطأ يوما يعالج بخطأ هو شر منه؟
أسئلة كثيرة تجول في ذهن كل صاحب ضمير حي ففي الوقت الذي نقف فيه ضد الممارسات الاستبدادية لنظام الأسد ونرفض فيه كشعوب كل قطرة دم تراق وكل ثروة أممية تهدر يقف الانسان مشدوها من الامعان في البغي ممن يزعم أنهم محسوبون على الله افتراء عليه فنرى البعض منهم وقد تحرك مباشرة وبالتزامن مع القرارات والتوجهات العالمية من قبل القوى الكبرى..
لا أدري كيف يتجرأ بعض المشايخ على الله تعالى فيجعلون جزءا من عباده في الجنة وما أنبتوا فيها شجرة او يرمونهم في جهنم ولم يخلقوا فيها لهبا بتكفيرهم لجهة أو طائفة أو ملة أو مذهب - والله أعلم بأيمانها - ويدفعون الأمة لصراع دام لا مصلحة ولا خير لنا فيه سيمتد لعقود وستعاني منه كل الأجيال القادمة وسيترك أرثا كبيرا من الحقد والكراهية والدماء يحتاج للعلماء الربانيين الصادقين لمعالجته..
ومن ثم ينسى هؤلاء أن الحالة السورية أعقد من أن تفسرها أو تعالجها أو تتعامل معها فتوى بعينها فكيف يمكن أن يفسر هؤلاء أن (85 %) من الجيش السوري الذي يقاتل مع نظام الأسد هم من أهل السنة وكيف يمكن أن يفسر هؤلاء قيام غالبية شيعة العراق الأحرار العرب والعلماء الكبار آيات الله من شيعة لبنان برفض اصباغ الحالة الطائفية على المشهد ويرفضون مثلا نهج المالكي أو اشتراك حزب الله في الحرب مهما كانت مبرراته وتقديراته ومخاوفه ؟؟
من أهم الآثار الاستراتيجية للقضية السورية أنها أماطت اللثام عن كثير من الخفايا وشبكة العلاقات العابرة للقارات التي لم تكن الشعوب يوما تعتقد أننا غارقون في التبعية لمشاريع الغير حتى النخاع لهذه الدرجة المقرفة وأننا كأمة عربية عبارة عن دول وجماعات وتنظيمات لا تملك إرادتها - إلا من رحم ربي - وحتى ما يزعم انها مقاومة فهي أما تبع لأمريكا أو روسيا بشكل مباشر او غير مباشر..
من الآثار الاستراتيجية للحالة السورية أنها كشفت مقدار الفراغ في الهوية الحضارية وأننا ببساطة شعوب أقرب للثرثرة منها الى الإنجاز وأننا لا نملك مشروعا ذاتيا نهضويا نابعاً من حضارتنا يقودنا الى إضافة شيء والمساهمة بشيء في الحضارة البشرية سوى تسجيل الأرقام القياسية في جينس والله أعلم بما يسجلون ..
من الآثار الاستراتيجية أيضا أن ما يحصل في سوريا قضى على ما تبقى من آمال الأمة في الحرية والاستقلال الحقيقي الناجز والوحدة ولو على أساس اقتصادي عندما أغدق أطراف الصراع في التبعية وزادت حالة تقسيم الامة وضعفها وتفككها لحساب مشاريع أستعمار جديدة ستطرق أبوابنا شئنا أم أبينا والجميع يشاهد أن الحل والعقد ليس بيدنا بل بيد الغرب الامبراطوري ..
من الآثار الاستراتيجية أيضا أن ما يحصل في سوريا أسقط كل الأقنعة ورسخ ثقافة الأسقاط الشعبي العربي للجميع فلا قيمة ولا ثقة بالأخوان أو البعث أو الثورات أو الحكام أو العروبة أو الشيعة أو الأصدقاء أو الجوار وقد لحق بهم أخيرا مشايخ أهل السنة .. باختصار هزم ما أعتقدنا يوما أنه مشروع أمة وانتصر مشروع الغرب الحضاري على الأمة رغم أنوفنا ..
ما زلنا ندفع ثمن ما فرطنا في العراق ويحضرني الآن الراحل الكبير الحسين رحمه الله عندما قاتل لاجل حل عربي يجنب الجميع الحرب والأمة التفكيك ولكن هيهات وحسني مبارك موجود أما أمير المؤمنين الحالي فهو على نفس النهج وضياع سوريا وما تبقى من ريح الأمة على الابواب أما ماذا سيكتب عنا التاريخ؟ سؤال كان يردده الحسين رحمه الله والجواب كان من مؤته في دموع عبدالله الثاني..
المحامي بشير المومني
basheer7hasan@yahoo.com