قانون الكسب غير المشروع وتحميل المشتبه به إثبات البراءة
د.عادل الحياري
18-06-2013 03:37 AM
كتبنا في الأسبوع الماضي عن قانون الكسب غير المشروع، ومدى مشروعية تطبيقه على الماضي. وفي هذا اليوم، نكتب عن هذا القانون، من حيث تحميل المتهم عبء إثبات براءته.
والدافع الذي يكمن وراء الكتابة في هذه المسألة، وجود شبهة من أنها تخالف القواعد العامة. لأن القاعدة العامة، تقضي بأن عبء الإثبات في القضايا الجزائية، يقع على النيابة العامة. في حين في ظل هذا القانون، يقع عبء الإثبات على المتهم.
ولهذا إرتأينا أن نبحث فيها، وغرضنا من ذلك هو، إنارة الطريق أمام القارئ والمشرع على حد سواء، وبخاصة أن مشروع هذا القانون، ما زال قيد البحث والمداولة في أروقة البرلمان.
إن أهمية هذا القانون، تأتي من أنه يتضمن آلية جديدة وعملية، تمكّن سلطات الدولة ذات الصلة، من مساءلة ومحاسبة كل من جمع مالاً بصورة غير مشروعة من خلال استغلاله الوظيفة التي تبوأها أو الصفة التي تمتع بها. وهو الأمر الذي يصب بالنتيجة، مع غيره من الوسائل الأخرى، في جهود الدولة في مكافحة الفساد. وهو الاصطلاح الملطّف الذي يطلق على جرائم اختلاس المال العام والرشوة والعمولة وغيرها من طرائق الكسب غير المشروعة.
أما أهمية البحث في مسألة تحميل المتهم، عبء إثبات براءته، فيأتي من كون أن القاعدة العامة، تقضي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قطعي (مادة 10/4 من الدستور) وأن عبء إثبات عكس البراءة، فيقع على النيابة. غير أن هذا القانون يلزم المتهم – استثناءً – بإثبات ما يفترض بأنه ثابت أصلاً، وهو البراءة، أي يجب عليه إثبات أنه ما زال بريئاً، وذلك بإثبات أن الأموال التي جمعها وهو في المنصب، هي أموال مشروعة، وليست ناتجة عن استغلال الوظيفة. لكن يبقى على النيابة العامة، عبء إثبات القرينة التي تشير إلى عدم البراءة، وهي تقديم الدليل على وجود زيادة غير معقولة في دخل الموظف لا تتناسب مع الدخل الذي حصل عليه من الوظيفة.
وفي هذا السياق، فقد أعفانا أحد الزملاء الأفاضل – الدكتور نوفان العجارمة – مؤونة الغوص في تلمس التبريرات التي تدعم إمكانية الخروج عن القاعدة العامة التي بسطناها آنفاً. وقد استشهد لإثبات هذا المبدأ، بالتشريعات المقارنة، وبأحكام المحاكم، وبآراء الفقه.
ولكننا نرغب أن نضيف، توضيحاً للقارئ بشكل بسيط وموجز، أن تكليف المتهم البريء بموجب هذا القانون، عبء إثبات ديمومة براءته، لا يتعارض مع القواعد العامة.
وتفسير ذلك أن البراءة ما هي إلا قرينة مستمدة من نص قانوني (مادة/10/4 من الدستور)، ولكنها ليست قرينة قاطعة، بل قرينة بسيطة ومؤقتة، وهي تقبل إثبات عكسها. وهنا يقوم دورالنيابة العامة، التي يتوجب عليها إثبات عكس البراءة، والقانون يسمح للنيابة، بإثبات هذا العكس، بقرينة مضادة، تتلخص بوجود المال الزائد الذي يتجاوز بصورة غير معقولة مدخول الموظف العام من الوظيفة. والاحتمال هنا أحد افتراضين: الأول، يتلخص بقدرة الموظف من إثبات أن زيادة الثروة كانت من مصدر مشروع، وعليه تبقى البراءة قائمة. أما الثاني، فيتلخص بعجز الموظف من إثبات مشروعية مصدر الزيادة، وعندها تثبت بحقه جريمة استغلال الوظيفة والإثراء غير المشروع.
قبل الختام نشير إلى أن بعض أعضاء البرلمان، استوضحوا مسألة تطبيق هذا القانون على الماضي – وهو موضوع المقالة السابقة المنشورة بالرأي – وسألوا إلى أي مدى يمكن أن يرجع القانون على الماضي؟ والجواب هو أن قواعد التقادم تحكم هذه المسألة – عشر سنوات لتقادم جريمة اختلاس المال العام، لأنها من نوع الجناية (مادة 338 من الأصول الجزائية) – ويمكن أن ينص على مسألة التقادم في صلب القانون، أو ترك ذلك مرسلاً للقواعد العامة.
في الختام نتساءل – كما يتساءل عامة الناس – ما جدوى سنّ هذا القانون القانون، إذا ما استبقي في الأدراج، ولم يذهب إلى حيّز التطبيق والتنفيذ الفعلي؟
إن الناس يتساءلون عن تلك الجهة، التي تلبس طاقية الإخفاء، وتحول دون تطبيق القوانين. أتدرون أن إتباع هذا النهج، أدّى بالضرورة إلى فقدان ثقة الناس بالدولة؟ ألا تلاحظون أن إتباع هذا النهج، أدّى إلى فقدان هيبة الدولة.
وهل الاعتداء على مخافر الشرطة وقطع الطرق وسرقة السيارات واختلاس المال العام، جاء من فراغ؟ وهل عودة المواطن إلى الجهوية والعصبية للاحتماء بهما – بسبب ضعف الشعور بالمواطنة – جاء بدون مسببات؟
لنتذكّر أن الإسلام شاع وتجذّر لأسباب عدة، كان من أهمها تطبيق قول الرسول عليه السلام، عندما خاطب الناس وأقسم قائلاً «وأيم الله لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
يا سادة طبقوا القوانين ونفذوها، بما في ذلك هذا القانون، لتعود الثقة والهيبة، ويعود الإحساس بالمواطنة، وتقل أعداد المختلسين. بذلك تعود الأمور إلى أنصبتها الصحيحة، وبعكس ذلك، فنحن جميعاً، لا قدّر الله، نسير من سيء إلى أسوأ.
adelhiyari@yahoo.com
الرأي