النائب د رلى الحروب ترد الموازنة ل15 سببا
17-06-2013 10:16 PM
كلمة النائب الدكتورة رلى الحروب- قائمة "أردن أقوى"
معالي الرئيس...الزميلات والزملاء الأكارم
جئنا إلى هذا المجلس تحركنا آمال عريضة بالتغيير مدفوعين بروح الربيع العربي والحراك الشعبي، ولكن القوى التي تآمرت وما زالت تتآمر على هذا الشعب نجحت في تقليم أظافرنا وإدخالنا في طاحونة الديموقراطية الزائفة معصوبي الأعين مكممي الأفواه، وبات وجودنا هنا تحت هذه القبة غطاء دستوريا لاستمرار النهج القديم الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه من فقر وبطالة وعجز ودين واحتقان وتمرد على القوانين، لأن القوانين في بلدنا لطالما فصلت لصالح المتنفذين، وعلى حساب الغالبية العظمى ممن لا صوت لهم إلا صوتنا الذي لا يسمح له بأن يسمع، حتى داخل المجلس الذي انتخبنا الشعب لنمثله فيه، فالرئيس يمنحنا عشر دقائق لمناقشة موازنة تقع في ألف وثلاثمائة وسبع وسبعين صفحة، وكأن المطلوب هو أن لا نناقش الموازنة.
إنني ومن هذا المنبر، وتحت تهديد الساعة الرقمية، أعلن ردي لقانونَـي الموازنة المؤقتين، ولملحق الموازنة لخمسة عشر سبباً هي:
أولا: بالنسبة لملحق الموازنة، هذا الملحق غير دستوري، ولا يتضمن شيئا يمكن وصفه بالنفقات الطارئة، ويعكس إما سوء تخطيط وإدارة للنفقات، أو سوء نوايا.
ثانيا: هذه الموازنة ليست إلا استمرارا للنهج الاقتصادي الفاشل السابق، فالحكومة ما زالت تتبنى فلسفة مفادها أن دورها خدمي، ومهمتها جباية الضرائب والرسوم وتوفير البنى التحتية المحفزة للمشاريع التنموية، دون مشاركة في عملية الإنتاج، وهو ما يظهره بند النفقات الرأسمالية الذي يخلو من أي مشروعات استثمارية يمكن أن تشكل إيرادا إضافيا للخزينة، وهو ما يعني أننا ماضون في سياسة إنفاق استهلاكي، وصولا إلى النقطة الحرجة التي نجد أنفسنا فيها مهددين بإعلان الإفلاس.
ثالثا: غابت عن هذه الموازنة حلول جادة لأزمة الطاقة، فمشروعات الطاقة المتجددة كتوليد الكهرباء من الشمس والرياح وتكرير النفايات الصلبة ما زالت أرقامها متواضعة للغاية، في حين أنها الحل الوحيد المتاح لتعظيم اعتمادنا الذاتي على موارد محلية، كما أن دينارا واحدا لم يرصد في هذه الموازنة للتنقيب عن النفط أو استثمار الصخر الزيتي من قبل شركة البترول الوطنية، في حين رصد للعامين القادمين ما يقرب من ثلاثمائة مليون دينار لمشروعات الطاقة النووية التي رفضها مجلس النواب السابق وتلقى معارضة كبرى في الشارع الاردني .
رابعا: لم تقدم الموازنة أي حلول لمعضلتي الفقر والبطالة، فلا تعيينات حكومية، ولا سياسات محفزة للقطاع الخاص لتوليد فرص عمل جديدة، ولا تأجير لأراضي الدولة لاستثمارها من قبل الراغبين المحتاجين، ولا دعم مدروس يحقق النتائج المستهدفة لشبكة الأمان الاجتماعي، ولا برنامج واضح المعالم لتأمين كل المواطنين تأمينا صحيا شاملا، ولا رفع لموازنة صندوق الطالب الجامعي ولا خفض لرسوم الجامعات، ولا توسعة لأسواق العمالة الأردنية الماهرة والمتخصصة في الدول المجاورة، ولا مراجعة للرسوم السيادية وتراخيص البناء والمهن.
خامسا: ما زالت مشكلتا عجز الموازنة وتنامي المديونية العامة الداخلية والخارجية بلا حل، بل إن الحكومة ماضية في الاقتراض لسداد عجز النفقات الجارية الذي تخطى 22%، كما أنها لا تدير النفقات الرأسمالية بحكمة لتوليد دخل يسهم في سداد الدين العام، عدا عن أنها تقترض لإنشاء هذه المشروعات بدلا من أن تكتفي بتوجيه المنح باتجاهها، وما زالت المديونية تنتهك قانون الدين العام لعام 2001 ، محلقة إلى سقف 78% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي هذا الظرف الصعب، ورغم توجه الحكومة إلى تخفيض النفقات بنسبة 2%، فإن الوحدات الحكومية تحقق نموا في نفقاتها الجارية هذا العام بنسبة 14%.
سادسا: بنيت الموازنة على فرضية رفع اسعار الكهرباء ، وهو ما سيتسبب في رفع نسب التضخم الركودي، فالكهرباء سلعة ارتكازية، سيؤدي رفعها إلى توليد سلسلة من مضاعفات الأثر تتجاوز نسبة الرفع أضعافا مضاعفة وتترك أثرها على كل القطاعات والسلع والخدمات، وهو ما سيؤدي بدوره إلى انكماش اقتصادي جراء تدني القدرة الشرائية للمستهلكين، وتقليص فرص العمل، واستبدال العمال بالآلة، بل ورحيل كثير من المشاريع إلى دول مجاورة لارتفاع كلف الإنتاج ، وتدني إيرادات الخزينة من الضرائب والرسوم تبعا لذلك، وهو ما يهدد فرضية النمو بنسبة 3.5% التي قامت عليها الموازنة ، خاصة إن عرفنا أن أرقام الربع الاول من العام الحالي تعكس نسبة نمو لا تتجاوز 2.2%، وهذا يعني أن الإيرادات ستكون أقل مما توقعته الحكومة، وهو ما يوسع الفجوة الداخلية فارضا مزيدا من العجز، وكان الأجدر ربط الإنفاق بمستوى تحقق الإيرادات، كي لا يتحول إقرارنا للنفقة إلى حق مكتسب للحكومة لمزيد من الاقتراض ومزيد من ملاحق الموازنة.
سابعا: لم تَـصدق الحكومة مجلس النواب الموقر فيما قدمته من أرقام حول حتمية رفع أسعار الكهرباء، لأنها بنت أرقامها على أرقام العام 2012، حين كان معدل تدفق الغاز المصري 57 قدما مكعبا، في حين أنه هذا العام بمعدل 110 مليون قدم مكعب، وهو ما يوفر ثلث كلفة توليد الطاقة مقارنة بأسعار العام الماضي، فإذا أضفنا إليها انخفاض أسعار النفط عالميا بمعدل 20%، الذي ينعكس بنسبة 13% على الفاتورة تقريبا، فإننا نصل إلى خفض في كلفة توليد الكهرباء بنسبة 43% ، أي أن الحال إن استمر على ما هو عليه، فإننا لن نكون بحاجة إلى رفع أسعار الكهرباء على أي شريحة أو قطاع، خاصة وأن فرق السعر الذي تتحدث عنه الحكومة بين كلفة التوليد والبيع هو 50%، علما بأن معظم القطاعات تدفع أكثر من سعر التكلفة العادل عالميا، وهو ثمانية قروش، ولا يعقل أبدا أن تعاقب بالدفع الجائر مرتين.
ثامنا: هذه الموازنة تفتقر إلى الشفافية والصدق، فالكثير من بنود النفقات مضخمة في الموازنتين: العامة والوحدات الحكومية، كما أن توقعات إيرادات الموازنة العامة جاءت تحت بنود واسعة مطاطة لا تعكس كل قطاع وكل وزارة على حدة، وهو ما يجعل إمكانية الرقابة عليها مستحيلة، بل إن مساحة الإيرادات في الموازنة العامة لم تتجاوز ثلاث صفحات من أصل خمسمائة وعشر صفحات، هذا عدا عن أن إيرادات بعض المؤسسات من مثل كادبي والمستشفيات العسكرية والمدنية وإيرادات الجيش والأمن العام في خدمات كأجور قوات حفظ السلام وتدريب القوات في وحدة مكافحة الإرهاب تغيب تماما عن الموازنة، في حين تحضر نفقاتها، وكأنها بلا إيرادات، في مخالفة صريحة للمادة 115 من الدستور، هذا عدا عن أن مؤسسة كبرى كالمخابرات لا وجود لها في الموازنة، فلا نفقات ولا ايرادات، فمن أين إذن تحصل على موازنتها؟ في كل دول العالم الديموقراطية تطبق معايير الرقابة على الأجهزة الأمنية دون إخلال بسرية عملها، علما بأن موازنة تلك الأجهزة قد قفزت في السنوات الست الأخيرة عدة أضعاف إلى ان تجاوزت 27 % من إجمالي النفقات، في حين أن النسبة لا تتعدى 9% في أكثر البلدان عسكرة. ناهيك عن علامات استفهام تغلف عمل وحدات مستقلة كشركة تطوير العقبة زادت رواتبها عشرة ملايين عن العام الماضي، وتنفق سبعة وثلاثين مليونا للرواتب، ولا تورد دينارا واحدا للخزينة!!
تاسعا: هناك تسع تشوهات هيكلية في الموازنة لم تعالجها الحكومة بنفس الدرجة من القوة مقارنة بتشوه دعم أسعار المحروقات والكهرباء وبعض السلع. من تلك التشوهات على سبيل المثال لا الحصر: تراجع تنافسية الاقتصاد الوطني وتدني تنافسية الصادرات، وهو تشوه سيزداد حدة لارتفاع كلف الإنتاج بسبب رفع أسعار المحروقات والكهرباء واحتمالية فرض ضرائب ورسوم جديدة ورفع أسعار المياه، وغياب كل اشكال الدعم في وجه واردات تباع بأسعار أقل، ومنها أيضا تدني مستوى الإنتاجية الحكومية، في الوقت الذي تنفق فيه الحكومة تسعة مليارات دينار بين وزارات ووحدات مستقلة ثلثا هذا الرقم رواتب ومكافآت وتقاعد وتوابعهم، بالإضافة إلى ارتفاع أعباء المديونية العامة، التي التهمت 29% من موازنة هذا العام.
عاشرا: لم تتضمن الموازنة أي إصلاح جاد للنظام المالي، ولم تقدم الحكومة رؤية متكاملة لقانون ضريبة تصاعدي على دخل الافراد والشركات والمبيعات وفق المادة 111 من الدستور، ولا قدمت مشروع إعادة هيكلة مقنع للمؤسسات المستقلة التي فاقت مديونيتها مديونية الوزارات، ولا هي عدلت على قانون الموازنة لإدخال إصلاحات تضبط الإنفاق العام وترشده وتضع عليه رقابة شفافة، ولا هي حصلت الضرائب المتأخرة، ولا كافحت التهرب التضريبي بأي حوافز أو غرامات أو إجراءات، ولا رفعت رسوم التعدين، وكل ما سعت إلى فعله هو تخفيض الدعم عن الكهرباء وبعض السلع كالخبز والأعلاف، دون أي تخطيط جاد لزيادة الإيرادات.
أحد عشر: لم تنجح هذه الموازنة في توزيع الأولويات الوطنية بحسب حاجات المواطنين، فالصحة والتعليم الذين تقاس بنهضتهما الدول، حصتهما مجتمعين أقل من حصة الأجهزة الأمنية، والتعليم العالي ما زال بلا دعم كاف يرفع جودة المخرجات، واستحداث فرص عمل والحد من الفقر وتقليص التفاوت في توزيع الدخول أهداف لا وجود لها على خارطة الموازنة، أما إنعاش النمو الاقتصادي، فإن فهم هذه الموازنة له لا يتخطى قطاع الإنشاءات، وأما استمرارية النمو فمسألة تتجاوز رؤية هذه الموازنة، فلا أهداف بزيادة الدخل القومي الإجمالي الفعلي للفرد، ولا تنويع لأسواق الاستيراد والتصدير، ولا تحقيق لمعدل نمو سنوي مقنع يتجاوز على الأقل نسب التضخم ونمو السكان، ولا إعادة لعجز الموازنة إلى الحدود المعيارية المقبولة عالميا، ولا زيادة في الاستثمار الحكومي.
اثنا عشر: الشكل الذي خرجت به الموازنة يندرج ضمن مدرسة قديمة هي إعداد الموازنة حسب البنود المتسلسلة، والأولى أن نتحول إلى موازنة الأداء حيث توضع أهداف محددة تعكس أولويات وطنية تلبي حاجات الناس تسعى الحكومة إلى تحقيقها، ويعبر عنها بمؤشرات واضحة يمكن قياس تحققها، تربط المخرجات بالمدخلات، وهو ما يمكن البرلمان من مراقبة أداء الحكومة وتقييم مدى فعالية الوزارات والهيئات والمؤسسات والدوائر المختلفة في تحقيق أهداف الموازنة. أما في الوضع الحالي، فإن مهمة البرلمان صعبة لغياب المؤشرات التي يمكن الاستناد إليها في تقييم الموازنة ابتداء، ثم في تقييم التزام الحكومة بها ونجاحها في تحقيق أهدافها انتهاء.
ثلاثة عشر: ما خصص لتنمية المحافظات والمخيمات في الموازنة غير كاف لإحداث تنمية حقة، تحسن من معيشة قاطنيها، وتستقطب الاستثمارات إلى مناطقهم إما النائية أو المكتظة، وهو بالكاد يغطي كلف بعض الخدمات الأساسية.
أربعة عشر: غابت موازنة القطاعات عن هذه الموازنة، فلا تظهر أرقامها أي تفاصيل تمكن مجلس النواب من تقييم أثرها على تنمية قطاعات تستوجب الرعاية كالمرأة والطفل والشباب والمتقاعدين وذوي الإعاقات وغيرها.
خمسة عشر: افتقرت الموازنة إلى أبجديات الفهرسة العلمية، في محاولة لتشتيت النواب وتعقيد مهمتهم في الوصول إلى المعلومات، كما افتقرت إلى وجود ملخص يشمل الموازنة العامة بفرعيها الحكومة والوحدات المستقلة، يظهر بوضوح إجمالي الإيرادات والنفقات وفجوة العجز والتمويل ومصادره للاثنين معا، هذا بالإضافة إلى غياب ملخص كامل للمؤشرات الاقتصادية السابقة والحالية والمتوقعة التي تظهر معدل النمو والتضخم والناتج المحلي الاجمالي والناتج القومي الإجمالي، ومعدلات الفقر والبطالة في السنوات الخمس الأخيرة وغير ذلك.
وأخيرا، فإن الوظيفة الأساس لأي حكومة خدمة الناس وتحقيق العدالة، ووظيفة الموازنة تلبية حاجات المواطنين وفق أولويات تلبي طموحاتهم وتتلاءم مع الإمكانات والمصادر، وتحفظ سيادة الدولة وأمنها ورخاءها وديمومتها، فإن أخفقت أي حكومة في ذلك، فإن عليها أن ترحل لتفسح المجال لغيرها للاجتهاد.
والسلام عليكم ورحمة الله