شخّص الملك بدقة، كثيرا من الأسباب التي تخلق العنف، وتجعل المرء متقبلا لفكرة التطاول على المؤسسات والأفراد، حينما أكد أن "الشعور بغياب العدالة، وعدم تكافؤ الفرص يؤدي إلى الإحباط والشعور بالظلم، وبالتالي يؤدي إلى العنف".
الفكرة ترتبط بانتشار الواسطة وعدم تكافؤ الفرص وضياع المال العام هدرا أو فسادا، إضافة إلى اتساع حجم مشكلات حساسة مثل الفقر والبطالة، وتراجع مساحة الطبقة الوسطى في المجتمع، ما خلّف إحساسا بانسداد الأفق، وولد قناعة بأن أسلوب الإدارة غير العادل وغير الكفؤ، لن يخلص المجتمع من هذه الأفكار، بل على العكس يؤدي لتعميقها أكثر فأكثر.
الملك حمّل المؤسسات، أيضا، جزءا من مسؤولية انتشار ظاهرة العنف من خلال تهاونها في تطبيق القانون والنظام العام على الجميع، أو غياب العدالة والمساواة في تطبيق القانون، الأمر الذي يؤدي إلى انعدام ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، ولجوئه إلى محاولة تحصيل ما يراه حقا له، بيده، أو للتطاول على حقوق الآخرين.
الشواهد على ما قاله الملك كثيرة، ومنها سرقة السيارات التي تفشت لدرجة خطيرة، اضطرت كثيرا من الضحايا للتفاوض مع المجرمين من أجل استعادة ملكياتهم، ونحمد الله أن جهاز الأمن العام تنبه لها أخيرا وبدأ حملة كبيرة لمعالجة المشكلة.
كما أن تعامل بعض أفراد الأمن بتساهل مفرط مع المجرمين أفقد الثقة ببعض أفراد هذا الجهاز، إذ يروي مواطن كيف تركته دورية الشرطة ملقى على قارعة الطريق مصابا بعد أن تعرض لاعتداء من آخرين، وآخر كيف تعرض وزوجته لاعتداء كاد يصل حد اختطاف زوجته أمام عينه في منطقة حيوية مثل الدوار الرابع، والأمثلة على ذلك، للأسف، كثيرة وحاضرة.
التهاون أيا كانت أسبابه ومبرراته، لن يقنع المجتمع، خصوصا أن حدود المشكلة تخطت التوقعات، وأثارت مخاوف دفعت المجتمع للاحتماء بالعشيرة والعائلة، والسلاح أحيانا، حفظا للحقوق، وتزايدت المخاوف من حالة الفوضى وغياب القانون وهيبة المؤسسات لدرجة دفعت الناس إلى مطالبة الدولة بتطبيق القانون، ومعان مثال على ذلك.
الحل، كما قال الملك، ليس بمعالجة هذه الأحداث ومعاقبة الذين قاموا بها وحسب، بل في معالجة الظاهرة من جذورها؛ من خلال تحقيق العدالة في توزيع مكتسبات التنمية في كل المحافظات، ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة، وترسيخ الحاكمية الرشيدة للدولة، وتطوير السياسات الاقتصادية والاجتماعية بالمشاركة مع القواعد الشعبية، وتطبيق القانون على الجميع بدون تهاون، ولا تردد، ولا محاباة.
تحليل المضمون يؤكد أن جزءا من المشكلة يتعلق بتطبيق القانون، لكن الأهم منها يرتبط بكيفية إدارة الشأن العام، وماهية الخطط الحكومية المطلوبة للوقوف على مشكلات مهمة تولد الشعور بالظلم من خلال غياب التوزيع العادل لمكتسبات التنمية، واتساع الفجوة بين العاصمة والأطراف، ما يجعل المرء غير مطمئن على حاضره ولا آمنا على مستقبله، فالتهميش الاقتصادي قادر على تغيير البنية النفسية للفرد، خصوصا إذا ما اصطدمت كل محاولاته للحصول على عيش كريم بحائط صد كبير لا يقوى على مجابهته.
الوصفة الملكية دقيقة وواضحة، ومن المفترض أن يلتزم بها الجميع؛ أفرادا ومؤسسات، بحيث لا نعود نشهد خرقا للقوانين وتطاولا واعتداء على حقوق الغير، خصوصا أن الحلول التي طرحها الملك تعزز ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، واحترامه للقانون، وثقته بأن حقوقه وكرامته لا يمكن لأحد أن يعتدي عليهما.
والرسالة واضحة للجميع "فالدولة بجميع مؤسساتها هي الجهة المختصة بتطبيق القانون والحفاظ على النظام العام، وعلى حقوق الناس وممتلكاتهم. وليس من حق أي جهة أن تظن أنها فوق القانون".
jumana.ghunaimat@alghad.jo
الغد