شركات التسهيلات .. "بنوك الظل" تحتاج إلى مظلة رقابية وتحفيز رسمي
عبد المنعم عاكف الزعبي
16-06-2013 04:38 AM
رغم لعبها دورا حيويا في الاقتصاد
الرقابة الذكية وبرامج الدعم تخفض الأعباء المالية على المقترضين الفقراء ومحدودي الدخل
البحث عن عدد الأردنيين المؤهلين للحصول على خدمات البنوك الائتمانية لا يقود إلى أي أرقام رسمية واضحة بالخصوص.
بيد أن الملاحظة غير العلمية تؤكد وجود شريحة واسعة ممن ترفض البنوك المرخصة إقراضهم بحجة انخفاض الملاءة المالية وعدم انتظام الدخل.
هذه الفئة من الأردنيين تقف أمام خيارين: الأول عدم الاقتراض رغم ما قد يوفره ذلك من تمويل لمشروع صغير يوفر للمقترض حياة كريمة.
والثاني التوجه إلى شركات التسهيلات المرخصة في المملكة للاقتراض ولكن بفوائد باهظة وضمانات لا تصدق.
هناك مجموعة من الشركات الخاصة وشركات المساهمة العامة تقدم خدمات الإقراض للأردنيين تحت مسميات وبرامج متنوعة.
أما مرتادو هذه الشركات، هم الراغبون بتجاوز محددات الإقراض لدى البنوك المرخصة أو من ترفض البنوك إقراضهم من حيث المبدأ.
لا يمكن إنكار الدور الحيوي الذي تلعبه هذه الشركات من حيث توفير التمويل لفئات تمثل جزءا رئيسيا من النشاط الاقتصادي في المملكة.
بيد أن ما لا يمكن إنكاره أيضا وجود تحديات ومخاطر كبيرة تحدق بهذا القطاع الاقتصادي، وبما يتطلب دعما رقابيا واقتصاديا من الجهات الرسمية.
ذلك أن غياب المظلة الرقابية وارتفاع مخاطرة المقترضين من هذه الشركات يدفع أسعار الفائدة على قروضها إلى مستويات قياسية يمكن أن تصل في بعض الأحيان إلى 20 – 25 بالمئة.
ارتفاع الفائدة هذا يترافق أيضا مع مبالغة في حجم الضمانات المطلوبة من العميل والتي ترتب على عدم السداد كارثة مالية واجتماعية يصعب تدارك تداعياتها على المقترض المتعثر.
ارتفاع معدلات الفائدة على قروض شركات التسهيلات يرجع إلى عاملين رئيسيين:
الأول: عدم توفر البديل أمام المقترض وهو ما يجبره على الموافقة على شروط تتجاوز أحيانا محددات السياسة النقدية وطاقة ملاءته المالية.
والثاني: ما تعانيه هذه الشركات من صعوبة في الحصول على التمويل من البنوك التجارية وعلى فوائد شديدة الارتفاع.
هنالك أيضا تحد رئيسي آخر يبرز أمام مالكي هذه الشركات ومقرضيها ممثلا بكيفية التأكد من سلامة إجراءات الإدارة التنفيذية لهذه الشركات بعيدا عن ممارسات لا تتسق مع السياسة الائتمانية المعتمدة ومحدداتها.
بغية تجاوز التحديات الموضحة سابقا يتوجب على الجهات الرسمية وفي مقدمتها البنك المركزي الأردني شمول هذه الشركات بمظلة تشريعية خاصة، لا تحرمها دورها الحيوي في الاقتصاد بالترافق مع توفير الحماية اللازمة للمقترضين والمالكين والممولين من مخاطر الغبن والاستغلال.
توفير المظلة المقترحة يقلل من مخاطرة شركات التسهيلات وبالتالي من كلفة تمويلها، وهو ما سيخفض بالنتيجة من أسعار الفائدة المفروضة على مقترضيها من الفقراء ومحدودي الدخل.
كما أن المظلة الرقابية ذاتها تمنع ما قد تقدم عليه إدارة هذه الشركات من تصرف غير مسؤول في أوجه استغلال مصادر الأموال المخصصة للإقراض، وهو ما حصل على مستوى بعض الشركات في الدول المجاورة والعالم.
شمول هذه الشركات بالمظلة الرقابية للبنك المركزي يمكّن راسم السياسة النقدية أيضا من إحصاء حجم النشاط الائتماني لهذه الشركات والحد بالتالي من تجاوز حدود الاقتراض الآمنة وخرق محددات السياسة النقدية الهادفة، إما لحفز الاقتصاد أو محاربة التضخم.
أهمية رقابة هذه الشركات تزداد مع ما يعانيه الأردن حاليا من أزمة اقتصادية بدأت تطغى على شرائح واسعة من أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وهو ما قد يقود إلى ارتفاع في نسب التعثر وارتفاع في أسعار الفوائد.
كما أن أهمية الرقابة على هذه الشركات تتعاظم في ظل ما سببه هذا النشاط الإقراضي في كثير من الاقتصاديات من أزمات اقتصادية واجتماعية نالت من مختلف الفئات الاجتماعية والقطاعات الاقتصادية.
مع التأكيد على أهمية المظلة الرقابية على هذا النوع من الشركات، يتوجب أيضا التنبيه إلى ضرورة شمولها في برامج التحفيز الاقتصادي التي يتبناها البنك المركزي والجهات المانحة اليوم لمختلف الشرائح والقطاعات.
ذلك أن تقديم الدعم المشروط بتخفيض الأعباء المالية على مقترضي هذه الشركات ينشط الاقتصاد ويحافظ على الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمعتمدة على الأنشطة الصغيرة البعيدة عن الوظائف التقليدية.
كما أن تقديم هذا الدعم لن يؤثر في تنافسية البنوك المرخصة خاصة مع وجود هامش كبير بين فائدة القروض المقدمة من شركات التسهيلات والبنوك التجارية العاملة في المملكة.
"بنوك الظل" أو "صيرفة الظل" كما يحلو للاقتصاديين عبر العالم تسمية شركات التسهيلات غير البنكية، ظاهرة أساسية لتحريك الاقتصاد وحل مشكلة الطبقات غير المؤهلة للحصول على تمويل البنوك.
بيد أن وجود نوع من الرقابة "الذكية" على هذا النشاط بالترافق مع برامج التحفيز الرسمي يمكن هذه الشركات من التفوق على تحديات ومخاطر قد تؤثر سلبا في المجتمع والاقتصاد.
العرب اليوم