تحت هذا الشعار، نظم ائتلاف العشائر الأردنية، في عمان، يوم الجمعة الماضي، مسيرة احتجاج على السياسات الحكومية، خصوصا في المجالين المتداخلين، النهج الاقتصادي ونهج التسامح مع ملفات الفساد. وهكذا، يمكننا ترجمة شعار المسيرة كالتالي: مصالح الأردن، المجتمع والدولة، فوق مصالح جميع الفئات المستفيدة والمتنفذين والفاسدين.. الخ
بمعنى آخر، فإن مضمون مسيرة العشائر هو مضمون اجتماعي سياسي. وهذا متوقع تماما؛ فأبناء العشائر هم الأكثر فقرا وتهميشا، والأكثر تضررا من نهج الخصخصة والنيوليبرالية وتفكيك دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي. وبما أن مؤسسة الفساد ارتبطت بذلك النهج، وكان لها الدور الأبرز في إفلاس الخزينة وإفقار الدولة، وتعطيل برامجها الاجتماعية، واثقالها بالمديونية، لحساب فئات أثرت وتحولت إلى مواقع السيطرة والنفوذ، فإن تركيز أبناء العشائر على مسألة الفساد، يغدو مفهوما.
ولكن ما هو غير مفهوم حقا هو السماح لحركة الإخوان المسلمين بوضع توقيعها إلى جانب توقيع العشائر في مسيرة الجمعة، وذلك للأسباب التالية:
أولا، إن " الإخوان" لا يؤمنون، ولا يمكنهم أن يؤمنوا، انطلاقا من عقيدتهم السياسية الأممية، بأن " الأردن فوق الجميع"؛ فالأردن، عندهم، مجرد ساحة من ساحات الجهاد الإخواني لا غير، ومصالح تنظيم " الإخوان" في أي مكان آخر، مقدمةٌ، عندهم، حتما، على مصالح الأردن. وهم مستعدون، مثلا، على الإقدام على مصالحة عميقة مع الحكم إذا صالح الأخير، حركة حماس واستقبلها وآواها وفتح لها مجالات الإقامة السياسية والنشاط في الأردن. ويكفي أن تقوم عمان بتقديم الدعم لإخوان سورية، لكي يتناسى "الإخوان"، مطالب المعارضة الأردنية،
ثانيا، لا يهتم البرنامج الإخواني، كما تدل التجربة المصرية مثلا، بالمطالب المتعلقة بدور الدولة الاقتصادي الاجتماعي، بل إنهم، على العكس، يؤيدون الخصخصة والبزنس وتقديم التسهيلات للاستثمارات الاجنبية والتفاهم مع صندوق النقد الدولي، وحل أزمة المالية العامة على حساب الطبقة الوسطى والفقراء، وذلك برفع الدعم وزيادة الأسعار، كما هو جار فعلا في مصر وتونس، حيث تمكن " الإخوان" من الحكم.
ثالثا، يقوم جوهر البرنامج الإخواني على ما يسمى الإصلاح السياسي. وهو يتمحور حول (1) تغيير قانون الانتخابات العامة، بما يسمح بزيادة مقاعد الفئات المدينية ، على أساس الديموغرافيا السياسية، وذلك، بالضبط، على حساب أبناء العشائر، (2) تمكين " الإخوان" من السيطرة على البرلمان وتشكيل الحكومات، (3) إجراء تعديلات دستورية تسمح لهم بالاستيلاء على مقاليد القرار، لتنفيذ برنامجهم السياسي الفعلي القائم على تسهيل عمليات التجنيس والتوطين السياسي .
براجماتية " الإخوان" اللامحدودة، وباطنيتهم، تقودهما إلى الانضواء تحت شعار مناقض لعقيدتهم السياسية، والاحتماء بمطالب لا تعبّر عن نهجهم ولا حقيقة برنامجهم السياسي. وهو ما كانوا فعلوه مع الحركة الشعبية في غير بلد عربي لركوب الموجة ومن ثم الاستفراد بنتائجها، والتنكر، تاليا، للشعارات والمطالب الشعبية.
إن ائتلاف العشائر الأردنية هو حركة اجتماعية نابعة من صلب المجتمع الأردني وقضاياه، ويشكّل، بحد ذاته، تعبيرا سياسيا عن المظلومية الاجتماعية التي يعيشها أبناء العشائر الذين هم، في الآن نفسه، كادحو أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، وأبناء المحافظات المحرومة من التنمية. ويكتسب " الائتلاف" أهمية مضاعفة بسبب كونه إطارا سياسيا مطلبيا قادرا، بتوسعه ووعيه، على استيعاب وتلافي الصدامات العشائرية التي تهدد وحدة وهيبة ومستقبل كادحي المحافظات. ومن المأمول أن يتحلى " الائتلاف" بالوعي الكافي لكي ينأى بنفسه عن السياسيين الانتهازيين، من الباحثين عن موقع ما على أكتاف حركة أصيلة.
nahed.hattar@alarabalyawm.net
العرب اليوم