المجتمع الاردني مقبل على نقلة نوعية في عاداته وتقاليده فما كان يصلح منها قبل رفع اسعار الكهرباء باتت لا تصلح بعد رفع أسعار الكهرباء ..
كان الاردنيون قبل رفع اسعار الكهرباء هم على موعد مع الخوف والقلق فقط عند اعلان نتائج التوجيهي.. وقريبا جدا هم على موعد مع الخوف والقلق مع بداية كل شهر وذلك عند قدوم جابي الكهرباء ..
فاعلان نتائج الثانوية العامة لن يقل اهمية عن اعلان نتيجة قراءة العداد فكلاهما لهما علاقة بمستقبل الاردني ومصيره .. فإذا ما اعلن ( الجابي ) ان الفاتورة لم تتجاوز الخمسين دينارا فلن يستطيع أي مواطن الاردني الا أن يعبر عن فرحته وذلك باطلاق العيارات النارية والزغاريد .. وسيتهافت الاقارب والجيران لمنزل المشترك للتهنئة بهذا النجاح الباهر وسيقولون له : مبروك .. مبروك .. عقبال فاتورة الماء ..
اما الذي ستتجاوز فاتورته الخمسين دينارا فسيتاهفتون لمنزله لمواساته وسيقولون له : شد حيلك .. ودشرك من المكواة ، والسشوار ، والحكي الفارط ، وانتبه لفاتورتك وان شاء الله الشهر القادم حليفك النجاح ..
قبل رفع أسعار الكهرباء كانت الوجاهة لاصحاب الدولة والمعالي وشيوخ العشائر فهم من يتسيدون الجلسات وهم الذين يتحدثون باسم الجاهات بغض النظر عن قيمة استهلاكهم من الكهرباء ..
بعد رفع أسعار الكهرباء لا مكان لهم في المناسبات الاجتماعية .. فكيف سيتحدث باسم الجاهة الكريمة مستهلك تقل فاتورته عن الخمسين دينارا حتى لو كان ( وجيها ) وبين افراد الجاهة الكريمة من تتجاوز فاتورة استهلاكهم مئات الدنانير .. الوجاهة في المستقبل القريب ستكون مبنية على معدل استهلاك ( الواط ) وليس على معدل أستهلاك ( المنسف ) .. فمن كان يتياهى بان من طلب العروس الرئيس الفلاني وان من اعطاها الرئيس الفلاني .. سيصبح التباهي مستقبلا ان من طلب العروس ابو ( 3000 ) واط وان من اعطاها ابو ( 4000 ) واط .. وحين كان الاردنيون يكرمون بعضهم البعض عند تلاقي عدد كبير من الوجهاء في مناسبة واحدة بان يقال : الكرامة بينكوا.. سيصبح عامل الفصل بينهم في المستقبل ليس عامل ( الكرامة ) بل قيمة ( الفاتورة ) !
وكما هو معروف فإن عامل السن هو الذي يصنف الاردنيين ( طورة اولى ) .. ( طورة ثانية ) .. ( طورة ثالثة ) على ( المناسف ) .. بعد رفع اسعار الكهرباء سيكون هناك تصنيف جديد لاعلاقة له بالعمر بل سيكون له علاقة بعدد استهلاك ( الواط ) .. الطورة الاولى : فوق 2000 واط .. الطورة الثانية : فوق 1000 واط .. الطورة الثالثة : مادون 1000 واط !!
الاردنيون هم من اكثر شعوب الارض تعاطفا مع المريض وعند علمهم بوجود قريب اوصديق او جار في أحد المستشفيات يسارعون لزيارته واول ما يفعله الاردني عند زيارة المريض هو النظر لاجهزة المراقبة الطبية ليطمأنه بأن الضغط ( مليح ) .. نبض القلب ( مليح ) .. الخ
الاردنيون ستتغير عاطفتهم باتجاه المريض ولن تكون له اولوية الزيارة في المستقبل كونه لا يستهلك كهرباء وهو راقد في المستشفى .. بل ستكون اولوية الزيارة لمن يعانون من ارتفاع فاتورة الكهرباء وسيفعل الاردني نفس ما كان يفعله عند زيارة المريض .. فعند دخوله المنزل سينظر الى ساعة الكهرباء وسيقول : الاستهلاك ( مليح ) .. الترشيد ( مليح ) .. وان شاء الله ما تتجاوز الفاتورة الخمسون دينار .. اما اذا ما وجد ان الاستهلاك قارب على الخمسين دينارا وان المستهلك في مرحلة الخطر فسيطلب كتيب ادعية وسيجلس بجانب الساعة للدعاء له بالرحمة والغفران ..
معروف ان الاردنيين مولعون بتبادل الهدايا في المناسبات الاجتماعية واغلبها اطقم ( زجاج ) ..

s.arabeyat@alarabalyawm.net


العرب اليوم