الروابدة والحياري: "أنا ولكن" (صور وفيديو)
15-06-2013 04:57 PM
عمون - أحمد الخطيب - أمسية أردنية حورانية فتحت مساء أول من أمس كتاب المقدمات « أنا.. ولكن» للزميل الروائي والصحفي باسم سكجها، الصادر مؤخراً في عمان، وفي متونه انشغالات للسيرة الروائية، حيث تصفح المقدمات وعاين إيقاعاتها كل من: رئيس الوزراء الأسبق العين عبد الرؤوف الروابدة، ورئيس تحرير «الرأي» الزميل سمير الحياري، اللذان قدّما مقاربات في الدلالة والاتجاهات والرؤى التي انطوت عليها صفحات الرواية البالغة «136» صفحة من القطع المتوسط.
الأمسية التي أقيمت في بيت عرار الثقافي، وأدارها د. معين مراشدة، نشّطت الذاكرة الحورانية التي لامست عبر مفاصل الاحتفاء بالرواية وصاحبها، القيم الحاضنة للذات وديمومتها في تقاطعها مع الهُوية، إلى جانب اتكائها على محطات هامّة تستأنسها الذات في التصاقها بالجذور، دون الانفلات من مواطن الانشغال التي تستثمرها للحفاظ على النسيج الواحد للذات في أماكنها المتعددة.
مشرف بيت عرار الثقافي سمير الإبراهيم تحدث في كلمته الترحيبية الموجزة عن بيت عرار ونشأته، ورائحة الشعر، وسورة التوحد والتوقد التي يستلهمها الزائر للبيت، المكان الذي التصق شاعر الأردن بحجارته وساحته السماوية، مؤكداً في سياق حديثه عن وجدانية هذا الصرح الثقافي الذي يخلد اسم عرار.
د. مراشدة أدار الحفل بنبض متحرك من حيث التفاته إلى أدق التفاصيل، وهو يسرد حكاية السيرة الروائية التي لاقت إقبالا كبيرا عند صدورها من لدن أهل الفكر والثقافة، إلى جانب تقاطع كلمته مع السيرة الذاتية لسكجها، الذي أكد فيها أنه صحفي مبدع متميز، صبغ تربة الوطن بتميزه في الحقول التي شغلها، ثم تحدث عن شخصية الروابدة التي تركت بصمات واضحة لرجل قدم الكثير لوطنه، كما أكد على المعاني الجليلة التي أعطاها الزميل الحياري للصحافة عموما، وللرأي خصوصاً التي نهضت بأعباء الكلمة الحرّة والمنتمية، كما شكلت نقلة نوعية بعد توليه رئاسة تحريرها.
« فوجئت حين طلب مني باسم سكجها أن أتحدث في هذا اللقاء الطيب، وأمام صفوة من الأدباء والمهتمين، حول كتابه: « أنا ولكن»، وسبب المفاجأة أنني رجل سياسة ولست ناقدا أدبيا أحلق بين المدارس الأدبية» بهذه الكلمات شرع الروابدة في قراءة الرواية التي قرأها في سويعات، وشدته عذوبة ألفاظها وانسيابية العبارة، والانتقال من موقف لآخر أو من موقع لآخر بسهولة ويسر.
ولفت إلى أن عذوبة حميمية بهرته واستدعت كل التاريخ والجغرافيا وكل علوم السياسة، فاجتمعت كما يرى كلها في عبارة قد يظن البعض أنه ذكرها عرضاً أو استرضاءً، كان يتحدث عن الشاحنة التي رافقها وهي تنقل أثاث بيتهم من القدس إلى عمان في حرب حزيران سنة 1967م.
ونوه بأن سكجها يختصر كل المفاهيم والمواقف والأحداث بجملة واحدة، تحتاج من الآخرين إلى سفر طويل لترجمتها، كما تحدث عن ثلاث صفات في سكجها، وهي: عروبي بالإرث وبالموقف، حيث يعبر كما يرى الروابده عن التزام سكجها عند الحديث عن أي مدينة أو دولة عربية، فلسطيني بالمولد وباليقين، يغادر فلسطين على كره وإكراه، وتحتضنه أرض عربية أخرى، يجد نفسه فيها، ولكن الحنين يبقى للقدس، مسقط الرأس، ورمز كل فلسطين، لافتا في هذا السياق إلى أن هذا حنين من نوع آخر غير الحنين للأوطان، حنين ألمه ممض، حنين لأرض دنسها احتلال ما عرفه التاريخ، أما الصفة الثالثة فهي: أردني صادق الانتماء، يعلن قلبه دون مواربة أن عمان مسقطه ومستودع حبه، هويته الوطنية أردنية بامتياز، تترجمها مواطنة ملتزمة كاملة الحقوق.
وحول اختيار بيت عرار الثقافي مكاناً لتوقيع الرواية قال الروابدة موجها الحديث لسكجها: هل كان اختيارك لهذا المكان صدفة، أم أنك أردت أن يكون على مشارف بلدة «قم» موئل أول مؤتمر للقيادات الوطنية سنة 1920م في ضيافة الشيخ ناجي العزام لدعم النضال الفلسطيني كشركاء لا كأعوان، وعلى مرمى البصر من منطقة الكفارات أم الشيخ كايد المفلح عبيدات أول شهيد أردني على ثرى فلسطين، أم أنك اخترته لنكون جميعا في حمى شاعر الأردن الكبير عرار.
وختم الروابدة قائلا: هكذا ربط سكجها بين جدوده وبين يافا ونابليون، وحق له بذلك الفخر، وهكذا عرض بذكاء وقّاد ولمسة غموضها ناطق، للكاتب اليكس هيلي وللمهاجر المستعبد كونتا كونتي، ولكنه كان حرا في فلسطين، وبقي حرا في الأردن، وتبقى فلسطين مهوى قلبه وقلوبنا.
الزميل الحياري من جهته تتبع في حديثه وحواريته أثر النسيج الخاص والعام الذي تناغم فيه مع سكجها منذ تعارفا « بالرأي وبآخر خبر وباللويبدة وبالسلط، وفي يافا، وفي عمون الموقع الإخباري الذي ساهم سكجها في تأسيسه»، مشيراً إلى نقاء المعشر، وصفاء السريرة التي لمسها أثناء معاشرته لآل سكجها.
ورصد في توصيفه لسكجها، إشكالية بعض الذين يعملون في الصحافة الذين لا فقه لهم في هذا المضمار، منوهاً في هذا السياق إلى أن سكجها يستحق لقب صحفي بجدارة لأنه اتخذها مهنة له، وقدم للمجتمع من خلالها أدواراً ومواقف مضيئة، كما أشار إلى أن سكجها لم يكن يوما رماديا، بل كان أبيض الموقف وأبيض الصفاء والنقاء، ومواقفه الثابتة هي التي باعدت بينه وبين الكثير من المناصب التي كان يستحقها.
وفي إشارة ساطعة حملت بين مفرداتها الكثير من الرؤى التي تقرأ الواقع، إلى جانب سبرها لأغوار رواية « أنا ولكن»، لفت الزميل الحياري إلى أن سكجها قامة إبداعية تعلو الكثير من القامات الإبداعية العربية التي هيّيء لها الفضاء للانطلاق، مضيفاً أن رواية « أنا ولكن» تشكل في إيقاعاتها عملاً روائيا لم نقرأ مثله من قبل.
واستشهد الزميل الحياري للتدليل على العلاقة الوشيجة بين سكجها والقلم وعدم تحكم أي شيء آخر به، بما قاله د. جمال الخطيب في مقدمته للرواية، حيث يقول « لم أعرف قبله، ولا بعده من هو أكثر حرية منه، ولا أعتقد أن فكرة الحرية والتمرد تجد لها مستقرا آمنا تأنس له، ولا ترغب في مغادرته، أكثر من باسم، لم تحكمه وظيفة أو ظرف، ولم يغيره أي طرْق أو سحب، أو تشكيل، فعلى الأغلب أن قالبه قد كسر بعد خلقه، فصار عصيا على أن يوضع في أي قالب كان، شيء وحيد نجح في السيطرة على باسم، والتحكم به بشكل مطلق: القلم».
ومن جانبه أكد الروائي سكجها أن اختياره للمكان لم يكن صدفة، مضيفا أن ليس من شخص أحبه واحترم مواقفه كما فعل مع عرار، مستعيرا من شعر حيدر محمود بيته الذي يقول فيه: يا خال عمار، متابعا أنه لو جاءه حفيد وسماه ابنه باسم، لخاطب عرارا بقوله: يا خال باسم، حيث أن ولده خطب فتاة من حفيدات عرار.
وقال ليس من صدفة أن يهرب عرار من لغته وهي آسرة إلى لغة أخرى وهي الفارسية، ليترجم لشاعره المفضل « الخيام»، وهما كما يرى وجهان لعملة واحدة، منوها أنه لو كان هناك وجها ثالثا، لتمنيت أن كان لي.
وبين أن الرواية تبدو في الوهلة الاولى أنها تتحدث عن تاريخ عائلته، لكنّ القارئ سرعان ما يلتقط الفكرة , إذ أن الموضوع يتناول هجرات وارتحالات تبدأ من يافا إلى القدس وعمان وبيروت وبغداد ودمشق وفاس وصنعاء، وصولاً إلى باريس حيث الحبكة الروائية التي تصل بين أجزاء الكتاب.
وفي دلالة العنوان، قال سكجها: «أنا»: أتحدث عن نفسي وعائلتي وعن وثائق قديمة، حيث أشار في هذ السياق إلى أنه وجد في بعض الوثائق القديمة أن نابليون قطع رأس جده في يافا في مذبحته، أما فيما يخص « لكن» المفردة المكملة للعنوان، يرى أن المرء لا يستطيع أن يكون صريحا وشفافا بشكل كامل لذلك جاءت « لكن».
وختم سكجها شهادته بقراءة المقدمة»2» والتي تحمل عنوانا لافتا هو « يافا ورق المحكمة وحائط مبكاي»، نأخذ منه: « بيني وبين نابليون ثأر قديم، من ذلك النوع الذي لا ينسى أو يغتفر، ولو انقصف عمري فجأة بجلطة في القلب أو الدماغ أو بحادث سير أو لأي سبب آخر، كما حدث لكثير من أصدقائي، فسوف أورّث هذا الثأر لإبني، ولإبنه، وحفيده، والقادمين من بعده». الرأي