ليلة رأس السنة والفرق الطبقي
02-01-2008 02:00 AM
لا أبالغ إن قلت مفتخراً أني وطوال حياتي لم أحتفل بأي عيد ،لا عيد ميلادي ، ولا عيد حب شهر شباط، ولم أقضي طوال عمري الذي دخل عقده الثالث رأس السنة خارج غرفتي ، وبحق أستخف فكرة الاحتفال بأي عيد من هؤلاء ،ليس لأنه موضة تجارية لأرهقانا في احتفالات لا أعتبرها مميزة فما معنى أن تحتفل مع فتاة في 14 / 2 تحادثها طوال العام ، أو أن تطفئ ثلاثين شمعة ؟ ولكن مع الفاصل بين عام مضى وعام قادم يتجلى الفارق الطبقي ،الذي وصل ذروته هذا العام، سيما في بلادنا حيث لا يمتلك الفقير أن يفرح أو يتوجه برحلة سياحية ،بخلاف الغرب حيث يحتفل الفقراء ولو قليلا، ولكن في آخر ليلة من العام الماضي انقسم الأردن إلى قسمين رئيسين .
الأول الطبقة المترفة التي دفع بعضها مبلغ مائتي وخمسين دينار ،لقضاء سويعات بين الطعام الذي سيرمى نصفه ، وبين المشروبات ، والغرف الدافئة ، والضحكات المتناثرة التي انطلقت مع الألعاب النارية ، ويحكى أن القبل تتبادل مع اللحظة الأخيرة التي ينطلق منها ضوء العام الجديد، وأنا لا أنظر بحقد طبقي لهذه الطبقة التي قد تكون شغلت وأنهكت وهي تتخيل دعوات زيادة بعض الدنانير للعمال والموظفين لديهم ، وبحق ليحتفلوا ويأكلوا ، فالطبقة الغنية تسعد بقدوم عام ،تخطط فيه للمشاريع القادمة ، وتحسب مقدار الأرباح التي سوف تجنيها الشركات ، ومقدار ارتفاع ثمن الأراضي ، وأين سيتوجهون في عطلة الشتاء المدرسية ، وهل سيتناسب جو عيد الفطر القادم مع شرم الشيخ أو سيكون الجو دافئاَ في تركيا، وهل الجب موديل لسيارة العام القادم أم ننتظر الموديلات التي سوف يشتريها المعارف.
هل يعقل كان أحدهم وإحداهن يفكرون بسعر جرة الغاز حتى لو رفعها الذهبي إلى تسعين دينار ، أو كم سيزيد من الدنانير عند تعبئة خزان السولار للتدفئة المركزية، هل كان يستعجل أحدهم للخروج من السهرة، لأنه سيستيقظ مبكراً ويصطحب الخادمة لشراء الرز من المؤسسة المدنية ،بالتأكيد فرحو ورقصوا دون أن يفكروا سوى بالجهود المطلوب بذلها لزيادة الفرح .
نتجه فوراً إلى إحدى القرى أو الأحياء أو إلى إي بيت سكني بسيط ،حيث وضع الأب رأسه على الوسادة مبكراً لتوفير الكاز، ويدعو الله أن يهدي الذهبي لتأجيل رفع أسعار المحروقات لبعد الشتاء، وينظر الأب بحسرة لأبنته فاطمة تدرس لامتحان الرياضيات وقد لفت جسدها ببطانية ،وتفرك كفيها كل دقيقة لعلها تدفئ راحة يدها وتمسك القلم بشكل جيد، تضحك فاطمة وتتذكر قصة بائعة الكبريت التي سوف تنتشر في الأردن أكثر من الأطفال اللقطاء .
الأم تبتسم وهي تخبر فاطمة أن العام الجديد قد بدأ ، فاطمة تضحك بهدوء وتجيب بفتور قاتل "عنجد" .
الأم هيأت نفسها لطبخ العدس ، الذي صار يكلف أكثر من أكلة أيام العطل المقلوبة ، وتدعوا الله أن لا تأتي أبنتها المتزوجة في اليوم الثاني ،لأنه يوم عطلة، لأن العدس لا يصلح لوجبة غداء تقدم للنسيب ،فمثل النسيب لا يضحك عليه "أن العدس لحمة الفقراء " ومما سيزيد الطين بلة مع أن الأرض لم تمطر علينا بعد، أن البيت لا يوجد فيه سوى صوبة واحدة يسمح بإشعالها بعد العصر حتى أذان العشاء وأين ستدرس فاطمة إذا أحاط أبناء أختها بالصوبة.
Omar_shaheen788@yahoo.com