في زاوية ما من عقل كل واحد منا ثمة حالة من الاحباط والكآبة وفقدان الدافع الى عمل أي شيء، وفي زاوية أخرى حالة من الشعور بالخوف من المستقبل وخوف من انتهاء رحلة الحياة فجأة بدون سابق أنذار. غير أن زوايا أخرى كثيرة تتقاسم توجه تفكير العقل بين الامل والهدف والتفاؤل والسعي في متطلبات الحياة ومخططات الايام القادمة.
ان كل واحد منا يمتلك آلية قادرة على تحريك هذا العقل وتفعيل الزوايا الايجابية الدافعة للحياة تماما كما يمتلك سائق السيارة دفة القيادة وتوجيه حركة السيارة، وبالتأكيد يتعلق الامر بمدى مهارة السائق وخبرته وعنايته بالمركبة والهدف الذي يتوجه اليه.
لم يكن هذا العقل الذي يحمله كل منا ليوجد عبثا، ولم تكن معظم مكوناته الغازا يحتار فيها العلماء لو لم يكن بديع التكوين من صنع خالق عظيم ترك لنا وسائل تفعيله وتوجيهه، فالمجرم يقوم بتوجيه وتفعيل العقل في البحث عن وسائل أجرامية ورجل الامن يقوم بتوجيهه وتفعيله لتعقب وكشف الجرائم وملاحقة مرتكبيها، والانسان الايجابي يقوم بتوجيهه وتفعليه نحو عناصر الخير والحب في الحياة، وكلما كان أي منا قادرا على توجيه عقله نحو عناصر الحب والخير كلما تضاءلت زوايا الاحباط واليأس والكآبة وأضمحلت.
ان رحلة الحياة قصيرة مهما أمتدت الايام بنا وحين نتأمل ما نفعله في حياتنا سنجد أن كل واحد منا قادر على خلق عناصر الامل مهما كانت الصعوبات والظروف الشخصية تدفعه نحو العجز واليأس.
ان الصدمات التي تواجه الانسان قد تكون سببا لتقوية شخصيته وتعزيز صموده وقد تكون سببا في انهيار دفاعاته الذاتية، واذا أردت أن تكون في الجانب الاول أو في الجانب الثاني فان الامر يتعلق بقدرتك على تحريك عقلك الى الجانب الذي تختار.
الحب والكره ضدان لا يلتقيان ولكنك قادر بتوجيه العقل أن تكون بملء قلبك ومشاعرك في عمق الحب، وقادر أن تغرق حياتك في مستنقع الكره، تستطيع مثلا وبتحريك عقلك أن تشفق على من أساءوا اليك وخذلوك فتسامح أو تبتسم وتمضي في طريقك غير ملتفت الى الوراء، وتستطيع أيضا بتحريك عقلك أن ترد بالكراهية والبحث عن وسائل الانتقام وتستطيع أن تحول الاساءة الى أسف وندم يعصف بقلوبهم أو محبة تفتح أبواب الرضى والاعتذار.
الانسان الحقيقي هو من يصنع مشاعره ولا يترك مشاعره تصنع حياته وحركاته وهو الذي يصنع الفعل ولا يكون رد فعل وصدى لما يصنعه غيره.
العيش هو الاستمرار بالقيام بالوظائف الحيوية ولكن التعايش هو الاستمرار وتحريك العقل، كل المخلوقات تعيش وتمتلك وسائل العيش فاذا فقدتها فنيت وأندثرت أما الانسان فيمتلك وسائل العيش ومنحه الخالق هذا المكون العبقري الصنع ( العقل ) ليمتلك التعايش عبر تحريكه وتفعيله، فاذا ما تضاءلت وسائل العيش أبتكر وسائل جديدة.
العقل هو الفرق بين الانسان والآلة، والخيار أمامنا أنسان أم آلة؟
الرأي