كلما طال أمد الصراع في سورية، تتنامى المخاوف من اتساع نطاقه، وتحوله إلى حرب طائفية تعيد رسم خريطة دول رئيسة في المنطقة. والكلام هنا عن "سايكس بيكو2"؛ تنال من وحدة سورية والعراق ولبنان بالدرجة الأولى، وربما تطال تركيا أيضا.
الهاجس هو تشظي هذه الأقطار أو بعضها إلى دويلات طائفية. والسؤال الذي يعنينا أكثر من غيره: ماذا عن الأردن؟
الجواب التلقائي الذي تميل إليه الأغلبية، هو أن الأردن، وبحكم تركيبته السكانية المتجانسة من الناحية المذهبية والإثنية، أقل الأقطار تأثرا بمخاطر التقسيم.
خلاصة منطقية إلى حد كبير؛ الأردن منذ العام 1967 لم تتغير حدوده. في تلك السنة، خسر الضفة الغربية التي كانت جزءا من أراضي المملكة، ومن بعدها استقرت حدود الأردن إلى يومنا هذا. بالطبع، كانت هناك وما تزال خلافات حدودية مع دول الجوار؛ سورية والسعودية والعراق، تمت تسوية بعضها، فيما بقيت مشاكل الترسيم عالقة مع دول أخرى كسورية مثلا، رغم أن البلدين قطعا شوطا متقدما في المباحثات، وجرى التفاهم على تبادل محدود للأراضي.
وبموجب معاهدة السلام مع إسرائيل، استعاد الأردن أراضيه المحتلة في الباقورة. لكنها استعادة افتراضية، كون هذه الأراضي ما تزال مؤجرة لإسرائيل.
رغم ذلك، ظل الأردن البلد الوحيد في المنطقة المرشح سياسيا "لكسب" أراض جديدة وتوسيع حدوده؛ ويقصد بذلك مشروع ضم الضفة الغربية، وعلى وجه الدقة مناطق الكثافة السكانية، للأردن. وهو مشروع تتبناه أوساط في اليمين الإسرائيلي، ويلقى دعما من جهات أميركية وغربية. لكن الأردن ظل على الدوام يرفض هذا "المكسب"، ويتمسك بخيار الدولة المستقلة للشعب الفلسطيني.
وفي مرحلة كاد العراق أن يخسر فيها وحدته الجغرافية، طُرح في الدوائر الغربية خيار ضم إقليم الأنبار إلى الأردن. وطوّر عتاة اليمين في الحزب الجمهوري الأميركي المشروع فيما بعد ليشمل مناطق جنوب سورية، في إطار تصور شامل لإعادة رسم خريطة المنطقة.
الخياران دفنا بالطبع، لكن تصورات مشابهة تظل في البال ما دام الصراع مفتوحا في المنطقة.
حدود الأردن الجغرافية، إذن، لم تتغير منذ 46 سنة، لكنه البلد الوحيد في المنطقة الذي لم تستقر تركيبته السكانية، وشهد خلال العقود الخمسة الماضية أكبر عملية تحول ديمغرافي ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
الحروب والاضطرابات المستمرة في المنطقة دفعت بأكثر من ثلاثة ملايين مواطن عربي إلى اللجوء للأردن في العقود القليلة الماضية، استقر أكثر من نصفهم بشكل دائم.
الصراع المحتدم في سورية دفع بأكثر من نصف مليون لاجئ إلى الأراضي الأردنية، ليضافوا إلى نحو نصف مليون كانوا متواجدين من قبل. ويرجح المختصون في شؤون الهجرة أن يستقر نصفهم بعد استقرار الأوضاع هناك.
بعد الغزو الأميركي للعراق، نزح أكثر من مليون عراقي للأردن؛ عاد بعضهم بعد فترة من الوقت، وهاجر آخرون إلى بلد ثالث، لكن ما لا يقل عن مئة ألف استقروا هنا، وانخرطوا في البنية الاقتصادية الاجتماعية، وليس متوقعا أن يفكروا بالعودة في المستقبل.
حدث مثل هذا في تاريخ الأردن منذ قيام الدولة، وأصبح المهاجرون من مختلف الدول مع مرور الوقت جزءا من النسيج الاجتماعي الأردني.
المرجح أن تغييرا جديدا سيحصل على بنية المجتمع الأردني نتيجة للصراعات المشتعلة في المنطقة، بما يمكننا من القول إن حدود الأردن غير مرشحة للتغيير، لكن تركيبته السكانية ستتغير حتما، وستجلب مع مرور الوقت تبدلا في موازين القوى الداخلية.
الغد