حول تخبط المحكمة الدستورية المصرية
د.عادل الحياري
11-06-2013 03:32 AM
أفادت الأنباء الصحفية أن المحكمة الدستورية العليا، وهي اعلى محكمة مصرية، قد قضت بتاريخ 2/ 6/ 2013 بعدم دستورية القانون الذي اختير على أساسه أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور، وهي التي صاغت دستور مصر المطبق حالياً.
كما قضت المحكمة بعدم دستورية القانون الذي أجريت على أساسه انتخابات مجلس الشورى، وهو صاحب سلطة التشريع حالياً. ولكن المحكمة اضافت في حكمها هذا - وعلى لسان المستشار ماهر البحيري رئيس المحكمة - « إن مجلس الشورى سيظل في موقعه، يمارس دوره التشريعي حتى انتخاب مجلس نواب جديد».
بداية نقول ان صلاحية المحكمة الدستورية، متى ثبت لها عدم دستورية النص، تنحصر في الحكم بعدم الدستورية فقط. وليس لها تصحيح أو استبدال النص غير الدستوري بنص آخر، كما أنه ليس من صلاحياتها ترتيب النتائج - على نحو ما - التي ستترتب على الحكم. إنها إن فعلت أيا من ذلك، فإنها تكون قد جاوزت صلاحياتها الدستورية.
وفي تعليقنا على الحكم بعدم دستورية القانون الذي اختير على أساسه أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور، نقول إن الأثر المباشر لهذا الحكم، هو بطلان الجمعية التأسيسية، وهذا يستتبع بطلان أي عمل تقوم به لاحقاً، للأسباب التي سنذكرها فيما بعد.
أما فيما يخص الدستور الذي صاغته الجمعية، فإن تطبيق القانون تطبيقاً مطلقاُ ومجرداً، سيؤدي الى بطلان كافة الأعمال التي صدرت عن هذه الشخصية - والتي باتت باطلة- لأنها مارست السلطة بموجب قانون باطل. ولكن لأن هذه النتائج تؤدي بالضرورة الى الاضرار بالغير من الناس حسني النية، نشأت في عالم القانون نظرية الشخص الفعلي - وهو الشخص الذي يتبوأ السلطة بالاستناد الى اساس باطل - وذلك لغرض تصحيح التصرف الصادر عنه واعتباره مشروعاً، بحيث يعتبر هذا الشخص بالنسبة للغير في حكم الشخص القانوني، كما تعتبر تصرفاته، تصرفات قانونية ومشروعة.
ومن قبيل تطبيق نظرية الشخص الفعلي في الأردن، ما جاء في الدستور الأردني، في حالة بطلان نيابة النائب، حيث نصت المادة 71/4 « تعتبر الأعمال التي قام بها العضو الذي أبطلت المحكمة نيابته قبل ابطالها صحيحة».
وتطبيقا لنظرية الشخص الفعلي، يعتبر الدستور المصري الذي أصدرته الجمعية التأسيسية، قبل العلم بعدم دستوريتها،يعتبر من الأعمال المشروعة، ويبقى قانونا صحيحا ونافذاً بحق الكافة. والتحليل السابق ينطبق على مجلس الشورى، وعلى ما صدر منه من تشريعات، فيعتبر المجلس باطلاً، وتبقى أعماله مشروعة ونافذة.
ولو وقفت المحكمة في حكمها عند هذا الحد، لكانت قد سلكت الطريق السليم، لكنها أضافت في حكمها الخاص بمجلس الشورى، على بقاء المجلس في موقعه حتى انتخاب مجلس نواب جديد.
وكما يبدو أن المحكمة استرسلت في حكمها، إرضاء للتيار السياسي الحاكم في مصر، ويتضح ذلك من تصريح أحمد رامي المتحدث بإسم حزب الحرية والعدالة الذي قال « إن مجلس الشورى لابد أن يستمر في عمله حتى لا يحدث فراغ دستوري «. كذلك صرح الرئيس محمد مرسي بعد حكم المحكمة واصفاً الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى بأنهما « نماذج مشرقة للديمقراطية الجديدة في مصر».
وفي الابقاء على مجلس الشورى، نقول أن الصواب قد جانب المحكمة من جانبين: الأول، أن المحكمة قد جاوزت اختصاصاتها، حيث أن نطاق اختصاص المحكمة يتحدد بالحكم في دستورية القانون المعروض أمامها أو عدمه. إلا أن توضيب النتائج التي ستنجم عن الحكم، فذلك ليس من اختصاصها. أما الجانب الثاني، وهو الأهم، فيتلخص بالتناقض الذي وقعت به المحكمة. إذ كيف تحكم المحكمة بعدم دستورية القانون الذي قام مجلس الشورى على أساسه والذي من مقتضاه بطلان المجلس بأثر فوري، وفي الوقت نفسه تبقى عليه الى حين انتخاب مجلس نواب جديد ؟ وكيف ستكون تشريعاته اللاحقة صحيحة، وهي الصادرة عن جهة اصبحت بعد صدور الحكم باطلة؟
إن العلة في اعتبار الأعمال التي صدرت عن الشخص الفعلي، صحيحة ومشروعة، تكمن في الحيلولة دون وقوع الضرر بالناس حسني النية، وهم الذين تعاملوا بموجب هذه التصرفات، بدون علم بعدم مشروعيتها، وبدون علم بعدم مشروعية مصدرها. أما وقد ثبت بحكم المحكمة بطلان الشخص مصدر هذه التصرفات، فإن التصرفات التالية على صدور الحكم، لا يمكن اعتبارها صحيحة، لإستحالة تلمس عذر حسن النية، والجهل بعدم مشروعية التصرف، والجهل ببطلان المجلس الذي اصدر التصرف.
يبقى أن نقول في التعليق على هذا المشهد، ان الابقاء على مجلس الشورى في موقعه استجابة للحاجة الملحة التي تتطلبها الظروف التي تعيشها دولة مصر، قد يكون مبرراً في لحظة حالة وآنية، غير أن ذلك سيؤدي الى نتائج كارثية - في المدى الطويل- على المواطن وعلى الدولة على حد سواء. ذلك أن تسييس القضاء في دولة ما، يؤدي بالضرورة الى هدم أهم ركيزة في الدولة. أما التداعيات التي تنشأ عن ذلك، فهي تشبه الى حد بعيد بالمتوالية الهندسية، اذ تطال آثارها جميع مشارب الحياة بكل تفاصيلها، بدءاً من علاقة الدولة بغيرها من الأشخاص الدولية، وحتى الأفراد في الدول الأخرى، الى علاقة الدولة بالمواطن، نزولا الى علاقة المواطن بالمواطن.
وفي هذا السياق، ولتقريب المفاهيم من القارئ، نتساءل: لماذا عندما يذهب المستثمر الكويتي الى الجزائر لإقامة مشروع استثماري هناك، لماذا يضع في بنود الاتفاق، أن القضاء المختص في حالة التنازع هو القضاء الفرنسي؟
أخيراً لنا عودة عاجلة لمعالجة مسألة تسييس القضاء، والذي يؤدي بالضرورة الى الانحراف عن مبادئ العدالة والاستقلالية والنزاهة والشفافية. ولكننا نسارع في هذه المناسبة الى الدعاء، الى الباري تعالى، أن يحمي القضاء في بلدنا من كل مكروه وانحراف وتسييس، انه سميع مجيب الدعاء.
الرأي