مياه الديسي والأسئلة الحائرة
د. باسم الطويسي
11-06-2013 03:11 AM
من المتوقع أن يبدأ ضخ مياه الديسي من الجنوب باتجاه العاصمة والمحافظات المجاورة الشهر المقبل، مع استكمال إنجاز أكثر من 95 % من أكبر مشروع نقل مياه في تاريخ الأردن الحديث. وما يزال هذا المشروع يطرح سلسلة من الأسئلة التي لا تجد إجابات، أهمها:
أولاً: حسب المعلومات الرسمية، سيبدأ الشهر المقبل الضخ الجزئي بنحو 70 مليون متر مكعب، من أصل الطاقة القصوى التي تصل إلى 100 مليون متر مكعب سنوياً، ولا يتوقع أن يتم التشغيل بالطاقة القصوى خلال السنوات التشغيلية الأولى. في المقابل، كانت المعلومات الرسمية تتحدث عن أن حصة العاصمة من هذه المياه هي نحو 60 %، فيما تذهب نسبة 40 % لبقية محافظات المملكة. وعلى الرغم من أن الوقائع على الأرض والخرائط التصميمية لا تشير إلا في اتجاه واحد هو عمان، نجد أن الحديث الدائر هذه الأيام عن تشغيل الناقل الوطني لمياه الديسي أخذ يرتبط بالزيادة السكانية القسرية التي أحدثتها موجات اللاجئين السوريين، والتي تتحدث عن زيادة وصلت إلى نحو 20 % من السكان.
هنا تغير خطاب المياه الرسمي، وأصبح يتحدث في الأسابيع الأخيرة عن إعادة توزيع المياه المنقولة من منطقة إلى أخرى، بمعنى أن الطوارئ السورية هي التي تحدد في هذا الوقت خرائط توزيع المياه وخطوطها. فهل تسيطر هذه الطوارئ على أولويات مشروع ضخم بهذا الحجم، وتعيد رسم ملامح حصص محافظات الشمال من هذا المشروع، علما أن النظام السوري هو الذي أعاق في السابق مشاريع مياه مشتركة، وحاصر حقوق الأردن في بعض موارد المياه العابرة للحدود.
ثانياً: لا توجد حصة واضحة من مياه الديسي لمحافظات الجنوب التي تعاني من أزمة مياه متنامية ومتفاقمة، إضافة إلى تدني نوعية المياه المتوفرة حالياً، إلى درجة أنها لا تصلح للشرب في بعض المناطق، وتحديداً في كل من محافظات معان والطفيلة والكرك. وفي الوقت الذي أطلق فيه رسميون تصريحات وعدت بحصص لهذه المحافظات، نجد أن المشروع الذي تم إنجازه عملياً لا تشير تصاميمه إلى وجود نية لشمول هذه المحافظات؛ فقد أبعد خط نقل المياه عشرات الكيلومترات عن بعض المدن.
الموارد الوطنية العامة بكل أنواعها وأينما كان توزيعها؛ في الشمال أو الوسط أو الجنوب، هي ملك للمواطنين كافة، لكن هناك حاجة ماسة تؤكدها الوقائع والمعطيات إلى سلوك رسمي أكثر كفاءة في رسم خرائط توزيع الموارد بعدالة ومسؤولية.
ثالثاً: إن جر ما معدله نحو 100 مليون متر مكعب من مياه الشرب، من 37 بئراً من حوض الديسي، بعد عقود من الاستنزاف الجائر من قبل المزارع التي ارتكبت واحدة من أكبر جرائم الاعتداء على الموارد الوطنية، والمتمثلة في هيمنة حفنة من الشركات الزراعية على حوض الديسي، ما أدى إلى خسارة الخزينة أكثر من مليار دينار، إلى جانب التأثير على نوعية المياه؛ كل هذه المحددات تضع مستقبل المجتمعات المحلية موضع السؤال، في الوقت الذي لم تطرح فيه الحكومات خطة موازية للتنمية المحلية، تستهدف بالدرجة الأولى المجتمعات التي في البلدات والقرى المحيطة بالآبار في محافظتي العقبة ومعان، وخطة شاملة على طول خط امتداد محافظات الجنوب.
واحد من أكبر دروس التاريخ هو أن الحضارة والتنمية تقامان حول المياه، وأن المجتمعات العمرانية تنشأ حول موارد المياه، ونحن لم نجر عمان إلى الديسي، ولم نأت بمجتمعات عمرانية جديدة، والسؤال الأهم اليوم: ما هو مستقبل التنمية في حوض الديسي، وعلى امتداد القرى والبلدات المجاورة للناقل الوطني.
الغد