في اليوم العاشر من حزيران من كل عام يحتفل الأردنيون بعيد الجلوس الملكي مجددين عهدهم في الولاء والإنتماء للقيادة الهاشمية في يوم يتطلع فيه الأردنيون رغم ضيق الحال ومحدودية الموارد الخروج من مأزق التحديات والصعوبات وقضايا الفساد والمفسدين الذي دفع المواطن ضريبتها وأنعكس ذلك على الواقع الإقتصادي والسياسي والإجتماعي لهم ، في يوم الجلوس الملكي يصمم الأردنيون على مواصلة مسيرة الإصلاح الشامل والتنمية المستدامة وصولاً إلى بر الأمان معززين تصميمهم هذا بإرادة قيادة هاشمية لها شرعية دينية وتاريخية ودستورية ضاربة الجذور سعت دوما إلى خلق شعور دائم بالمواطنة والتمكين الديقراطي الذي يحتاج منا هو الآخرالعمل والجهد الكبير، في عيد الجلوس الملكي يقرأ أبناء الأردن البرره بإرتياح الصفحة البيضاء والخالدة للأردن وقيادتها في كتاب التاريخ الذين سطروه بدمائهم وتضحياتهم ومواقفهم تجاه أمتهم وقضاياها المصيرية ، ينظر فيها الأردنيون إلى ما إجترحوه من أعمال عظيمة وما انجزوه على مدى الايام والسنين والعقود الماضية في مسيرة ستتواصل إنجازاتها وبلوغ اهدافها تبذل فيها قيادتنا جهودا جمه لطالما لمسها كل فرد في مجتمعنا .
وبمناسبة حديثنا عن يوم الجلوس الملكي يجول بخاطري طرح حقيقة دستورية لابد من بيانها للقاريء الكريم وهي الصلاحيات الممنوحة لجلالة الملك وفقاً للدستور الأردني ودورها في تعزيز النهج الديمقراطي في النظام الأردني ولذلك وودت في هذه العجالة البسيطة تسليط الضوء على بعض النواحي القانونية والدستورية لمركز الملك في النظام الأردني وكيف ساهم هذا المركز في ترسيخ مفهوم الديقراطية الحقيقية وإعطاء النظام الأردني مزيدا من الإستقرار والمنعة والقوة بين أنظمة زالت وإندثرت من من أول هبة ريح ،ردا على كل المشككين والمنظرين والدعاة بتقليص صلاحيات الملك الدستورية .
وكما هو معلوم لدينا أن النظام الأردني وفقاً للدستور الأردني هو نظام نيابي ملكي وراثي يعتمد على دعامتين أساسيتين وهما ثنائية السلطة التنفيذية التي يتكون منها كل من الملك غير المسؤول سياسيا والذي يمارس صلاحياته من خلال وزرائه ومن الوزراء المسؤولون سياسيا أمام البرلمان ،والدعامة الثانية وهي التعاون بين سلطات الدولة وخاصة السلطتين التنفيذية والتشريعية حيث تمتاز هذه العلاقة بالتعاون والتوازن ، ولمركز الملك في الدستور الأردني دور كبير في تعزيز هذه المنظومة الديمقراطية للنظام النيابي فهو راس السلطات الثلاث والحكم بينها وهو عندما يمارس صلاحياته يمارسها من خلال وزرائه، وإن إرداته الملكية عندما تصدر يوقع عليها كل من رئيس الوزراء والوزير المختص وفقا لقاعدة في الفقة الدستوري تسمى بقاعدة التوقيع المجاور ، وعليه إن الإرادة الملكية التي تصدر من قبل الملك ليست بمنأى عن الطعن أمام القضاء فكل وزير مسؤول عن أعمال وزراته ورئيس الوزراء مسؤول عن أعمال حكومته أمام الملك والبرلمان و القضاء ، منظومة دستورية كاملة أوجدتها نصوص الدستور الأردني وقواعد ثابته ومستقرة تم التعيديل عليها مؤخرا بشكل يؤدي تدريجا لتشكيل حكومات برلمانية لطالما سعينا لها ووجهت لها قيادتنا الهاشمية كثيراً ،حكومات نيابية تشكل من أغلبية حزبية تقابلها معارضة تسمى حكومة ظل تبقى مترصدة لها وتتنافس معها لخدمة الوطن ورعاية مصالحه وحل قضاياه .
ولعل الناظر لشكل الحكومات الملكية النيابية يجد أنها تتسم بعدة سمات أهمها الطابع الوراثي للحكم الأمرالذي جعل من المركز الأعلى في الدولة (الملك ) بمنأى عن المناكفات السياسية والحزبية، وهذا ما أكد عليه الفقه الدستوري أن أكثرالحكومات إستقراراً تلك التي يتسم فيها رأس الحكم بالتجانس أي أن يكون بعيداً عن كل ما فيه تزاحم على الحكم ،مما أدى إلى جعل مركز الملك بالحكومات النيابية المليكة عامل إستقرار في الدولة تتجسد فيه معاني الديمقراطية الحقيقية وصمام أمان لوحدتها الوطنية، ولعل الناظر إلى المشهد السياسي الأردني يجد أن القرارات الملكية الهامة قد جاءت معبرة بمعضمها عن حس الشعب ونبضه الحقيقي فعندما يستخدم جلالة الملك صلاحياته الدستورية بحل البرلمان أو إقالته لبعض الحكومات غير المرضي عنها من قبل الشعب فهو في عمله هذا قدعبرعن حس الشعب ونبضه وتلك هي الديمقراطية الحقيقية بمفهومها القانوني .
وعليه فإن لإنسجام منظومة الحكم في الدولة وتداول الحكم عن طريق الوراثه دوركبير في تحقيق الإستقرار داخلها ، والمقصود بالإنسجام هنا هو الإنسجام السياسي الذي يتجلى من خلال عدة عوامل مادية ورمزية ،أما العوامل المادية فهي تلك التي تتمثل بقوة النسيج الإجتماعي داخل الدولة والثقافة العامة للأفراد وتاريخهم المشترك والرغبة بالعيش المشترك ،ونحن في الأردن وبحمد الله شعب حمل عاتقه منذ تأسيس الإمارة وحتى قبل ذلك أن يكون شعبا واحدا متكاتفاً متعاضداً بمختلف أصوله ومنابته شعب حمل الخلق الإسلامي على عاتقه إذا إشتكى منه عضو عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، فعلى الرغم من حالة العنف المجتمعي التي تحدث بين الفينة والأخرى فإن النخوة والكرامة والشهامة مازالت تتزين بها في عشائرنا الأردنية الطيبة من مختلف أصولها ومنابتها تلك العشائرالتي سطرت عبرعقود مضت مثالأ ساميا لهذه المعاني ناهينا عن صلاة القربى والنسب بين أبناء الأردن والذي جعل منهم أسرة واحدة من الشمال إلى الجنوب ، وأما الإنسجام الرمزي فهو مايتعلق برمزية وشخصية المركز الأعلى في الدولة والتي تتجسد بشخصية الملك كعامل للإنسجام والرمزية التي يتفق عليها أفراد الدولة على أساس أن الملك للجميع وملاذ للجميع ورأسا للهرم الإداري في الدولة وراساً للسلطات الثلاث وجميعها عوامل جعلت من مركز الملك في الدولة عاملاً أساسياً للإستقرار داخل الدولة .
أما الصفة الثانية من صفات الحكومات الملكية فهي سمو سلطة رئيس الدولة (الملك ) ولانقصد هنا بسموالسلطة الإنفراد بها الذي يؤدي حتماً إلى الديكتاتورية ، وإنما سموه في المركز بين سلطات الدولة والذي من خلاله يلعب دوراً هاماً في تحقيق أكبر قدر ممكن من الوحدة الوطنية والديمقراطية ،ففي مركزه هيبة لمؤسسة الحكم وثباتا وإستقرارا للنظام ، فعندما يهتف الشعب بالولاء للملك _ وبغض النظر عن السمات الشخصية التي يتحلى بها الملك _ هم على يقين أن في شخصية الملك رمزاً لهم وعنواناً للدولة ،ونحن في الأردن نحمد الله إذ منّ علينا بقيادة هاشمية عربية أصيلة إرتبط إسم المملكة بها كأعرق السلالات الملكية في العالم لإستنادها لسيد الخلق وسيد البشريه نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم شرعية تاريخية ودينية ودستورية نفاخر بها العالم بأسره .
ومن الناحية الدستورية نجد أن الصلاحيات الممنوحة للملك في الدستور الأردني وخاصة تلك التي ترتبط بعلاقته مع السلطة التشريعية وخاصة إقرار التشريعات أنها ليست صلاحيات مطلقة بل مقيدة وجاءت متفقة مع مبدأ أن الأمة مصدر السلطات ولعل الناظر إلى في الفقرة الثالثة والرابعة من منطوق نص المادة (93)من الدستور الأردني يتض له ذلك حيث نصت المادة على أنه اذا لم ير الملك التصديق على القانون فله في غضون ستة اشهر من تاريخ رفعه اليه ان يرده إلى المجلس مشفوعاً ببيان اسباب عدم التصديق. و اذا رد مشروع اي قانون (ماعدا الدستور) خلال المدة المبينة في الفقرة السابقة واقره مجلسا الأعيان والنواب مرة ثانية بموافقة ثلثي الاعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين وجب عندئذ اصداره وفي حالة عدم اعادة القانون مصدقاً في المدة المعينة في الفقرة الثالثة من هذه المادة يعتبر نافذ المفعول وبحكم المصدق فاذا لم تحصل اكثرية الثلثين فلا يجوز اعادة النظر فيه خلال تلك الدورة على انه يمكن لمجلس الامة ان يعيد النظر في المشروع المذكور في الدورة العادية التالية، وبناء عليه يمكن لنا القول أن تصديق الملك على التشريعات ليس تصديقا مطلقا وإنما كان إعتراضاً توقيفياً ،أي أنه موقوف على موافقة السلطة التشريعة ، وبهذا فإن الدستور الأردني قد منح السلطة التشريعية صلاحيات مهمة جداً وأعطاها الكلمة الفصل في إصدار أي تشريع نافذ كونه صاحب الإختصاص الأصيل للتشريع لكن المتمعن في المشهد السياسي الأردني يجد خلاف ذلك وأن هنالك فجوة بين النظرية والتطبيق فهنالك تراجع كبير في عمل السلطة التشريعية في السنوات الأخيرة الماضية وكان هذا التراجع على حساب السلطة التنفيذية ، محصلة القول لقد ساهمت الصلاحيات الممنوحه لمركز الملك في الدستور الأردني بترسيخ النهج الديقراطي في الدولة الأردنية وأعطت النظام الأردني مزيدا من الإستقرار في الحكم ومزيدا من التجانس حيث أضحى من أكثر الأنظمة إستقراراً بين دول العالم
وختاما سيدي جلالة الملك نحن أبناء الأردن نقول لك كما قال سيدنا سعد بن معاذ لسيدنا محمد علية أفضل الصلاة والتسليم والله لو خضت بنا البحر لخضناه معك ماتخلف منا رجل إمضي سيدنا ونحن معكم وجندكم الذي لم ولن يخذلكم .
** أستاذ القانون الدستوري
Tarawneh.mohannad@yahoo.com