لقد كان لي شرف الخدمة في الجيش العربي الأردني ؛ عندما عرفت جلالة المغفور له قائدنا الأعلى الحسين بن طلال رحمه الله. بعد أن تخلى جلالة المغفور له الملك طلال بن عبد الله عن الحكم بسبب مرضه يوم 11 أغسطس 1952 ؛ كان عمر ولي العهد الأمير الحسين بن طلال سبعة عشر 17 عاما ؛ ولذلك ما بلغ سن الرشد للحكم ؛ وشكلت الحكومة مجلس وصاية على العرش ؛ حتى توج الحسين ملكا في اليوم الثاني من مايس 2 / 5 / 1953.
لقد ضرب جلالة الحسين العديد من الأمثال للقيادة المثالية. كان في كل مكان يحتاج إلى وجوده فيه ؛ يقاتل جنبا إلى جنب مع جنوده في ساحة القتال في أشد الأوقات وأصعبها ؛ وفي موقع هذه القيادة أو تلك؛ تحت قصف العدو الجوي أو الأرضي ؛ لايتعب من السهر المتواصل ؛ وإحتمال الساعات الطويلة الشاقة من الجهد والتعب. ولقد أنعم الله تعالى عليه بنعمة الشباب؛ وبنعمة الشجاعة ؛؛ وبنعمة الخبرة الواسعة في مختلف مجالات القيادة ؛ فأغدق من ذلك كله على وطنه فوق ما يتحمل الجسم الإنساني.
كان قبل حرب حزيران دائب الحركه ؛ لا يتوقف عن زيارة الوحدات القتالية والإدارية والتشكيلات في الليل والنهار؛ ليتأكد من كل صغيرة وكبيرة ؛ واستمر على هذه الحركة فترة طويلة يتعب منها أشد الرجال.
عندما بدأت حرب حزيران إندفع بين قيادة الجيش ووحدات الميدان يشحذ الهمم ؛ ويذكي الحماس ؛ وكاد أن لا ينام ساعة كاملة خلال طول مدة القتال ؛ وهو على إتصال هاتفي مباشر مع الملوك والرؤساء العرب ؛ ووجود مباشر مع مجلس الوزراء ؛ وجميع المعنيين بالحرب من أجهزة المملكة ؛ إتصال مباشر مع مديرية الأمن العام ؛ ومديرية الدفاع المدني ؛ وقيادات جهاز الدفاع المدني التطوعي العام في مختلف المحافظات ؛ واتصال مباشر بالشعب سواء في الزيارات أو الإذاعة أو التلفزيون. كانت قراراته حاسمة ومستمرة ؛ وتفكيره بالموقف المتطور دائم ؛ ومع كل هذه المواقف كان هدوءه يبعث الثقة في نفس كل من يلقاه الحسين.
بعد أن دمر العدو قاعدة الحسين الجوية في المفرق ؛ وفي الساعة الثالثة صباحا ؛ وبالرغم من استمرار قصف العدو الجوي على القاعدة ؛ تحرك الحسين من عمان إلى المفرق وألتقى بنسوره ؛ وتحدث إليهم وشجعهم وبعث الثقة في نفوسهم ؛ وأمرهم بالإلتحق بإخوتهم نسور العراق الشقيق ليستمروا في المعركة . ولم يفقد الحسين للحظة واحده حسه بشعور التعرض والمبادرة والكفاح المستمر لمواصلة القتال. كانت معنويات القائد الأعلى مصممة وعازمه فكان الوطن كذلك.
وتحت القصف الجوي الشديد المستمر ؛ تحرك القائد الأعلى إلى نهر الأردن ؛ حيث كانت وحدات الجيش تقاتل آخر معارك حرب حزيران ؛ وإلتحق مع القادة ؛ وحتى الجنود ؛ ووجه المعركة لمنع العدو من إجتياز النهر ؛ واستمر على ذلك الجهاد حتى إطمأن على تثبيت الوحدات والتشكيلات في المواقع الدفاعية الجديدة. لقد قاد الحسين القتال من الخط الأمامي.
كان كل ذلك قليل من كثير من صفات حسيننا العظيم وحسن قيادته ؛ كان يشارك جنوده بما يصيبهم في أوقات الشدة ؛ أكثر من أوقات السلم والرخاء. كان معهم في معظم الأوقات ؛ يتحدث إليهم ؛ ويبث في نفوسهم الثقة القوية ؛ وروح الكفاح والقتال.
لم يقصف العدو بغاراته الجوية قرية أو موقعا ؛ إلا وكان الحسين عنده بسرعة فائقة. في الكرامه ؛ أكثر من مرة ؛ الكريمه ؛ الشونه الشماليه ؛ الشونه الجنوبيه ؛ المشارع ؛ إربد ؛ السلط ؛ كفر أسد ؛ دير أبي سعيد ؛ وأم قيس . كان رحمه الله يواسي الجرحى المدنيين في المستشفيات ؛ وأحيانا يشرف على إخلائهم بنفسه ؛ ويتأكد من كل شأن لإنقاذهم وخدمتهم.
بالرغم من كل المشاكل الكبرى العسكرية والسياسية والإقتصادية نشط الحسين في المجال الدولي ؛ حيث زار غالبية الدول الكبرى ؛ والدول العربية الشقيقة ؛ والدول الصديقه ؛ وتحدث إلى الرأي العام العالمي ؛ وما عرف عن أي قائد أنه سافر وزار ونشط أكثر مما قدمه الحسين في خدمة وطننا الحبيب.
لقد ساهم الحسين في غرس كل تلك الصفات القيادية الحميده في أخلاق ولي عهده الأمين الشجاع ؛ مليكنا المفدى عبد الله الثاني بن الحسين ؛ حماه الله وأعز جنده ؛ من خلال تكليفه بمسؤوليات جسام ؛ خاصة في خدمة الجيش العربي الأردني.