عن الذي يربي حجرا في بيته
09-06-2013 12:32 PM
عمون - لا يدعي بطل رواية (عن الذي يربي حجرا في بيته) الحكمة وهو يلوذ بالعتمة والعزلة والصمت ويفضل الإجابة عن أي سؤال -ولو عما إذا كان يريد الموت أو الحياة- قائلا "لا أعرف" ويقلد في سلوكه اليومي ممارسات آخرين مروا في حياته وحين يحاول الخروج من هذه الدائرة يتمنى أن يعمل قاتلا مأجورا.
وفي الرواية التي تدور خلال 24 ساعة ينجح الكاتب المصري الطاهر شرقاوي في رسم تفاصيل إنسانية لشاب عدمي يليق به لقب "السيد لا أعرف" ويراه أصدقاؤه غريب الأطوار ويذكر القارئ ببطل (الغريب) لألبير كامي ولكنه لا يشبهه..
فالبطل الذي يربي حجرا في بيته يتصالح مع نفسه ولا تدهشه عزلته ولكنه أحيانا يرغب في البكاء ويكتشف أن أحدا لم يعلمه "كيف يبكي" وفي نهاية الرواية سيحاول كسر هذا الإطار بالغناء.
والبطل الذي لا تمنحه الرواية اسما يعيش "حالة من اللاطمأنينة" والوحدة والاغتراب في مدينة لا تبالي به فيلوذ بالأرصفة متسكعا ويجعل من بيته الذي يصادق فيه أحجارا مختلفة الأحجام والألوان مقبرة "مقبرتي هي عالمي" الذي يضم كتبه وفراشا متواضعا ولوحات تشكيلية وتماثيل خشبية لحيوانات وأحجارا يغرم بها ويتبادل معها الصمت والكلام.
وشرقاوي الذي صدرت له رواية وأربع مجموعات قصصية خلال أكثر من عشر سنوات صوت روائي مصري يعنى باللغة الموحية والمتقشفة أحيانا. وتقع روايته (عن الذي يربي حجرا في بيته) في 125 صفحة متوسطة القطع وأصدرتها (الكتب خان للنشر والتوزيع) في القاهرة.
وباستثناء "سيرين" صديقة البطل لا توجد أسماء لشخوص الرواية ومنهم الجارة "س" وصديقته الأولى "س" وصديقته الثانية "س" وصديقه الشاعر "س" الذي الذي أدهشه وجود "حجر يتيم ومسكين" في بيت البطل فكتب عنه قصيدة هي نفسها عنوان الرواية.
ويبدو التناقض بين بطلي الرواية.. فالشاب لا يحلم تقريبا وإذا حدث يأتي حلمه "بالبيض والأسود" أما "سيرين" فهي خبيرة في الأحلام.. رؤية وتفسيرا لأحلام الآخرين بل إنها دربت نفسها كيف تحلم وبماذا.. وكان بطل الرواية من ثمار أحلامها.
وفي حين تسطيع سيرين أن تحلم ثم تصل إلى ما -أو من- رأته في منامها فإن أحلام الشاب مؤجلة..
فالبطل يحلم بكتابة سيناريو فيلم سينمائي ولا يتخذ خطوة للأمام ويكتفي بكتابة قصص مصورة في مجلات الأطفال مبتكرا شخصية تعيش في زمن غير محدد ويرسل أربع حلقات لإحدى المجلات إلا أنه في نهاية الرواية سيتلقى رسالة عن توقف مشروع النشر فيتمنى أن يعمل قاتلا مأجورا ثم يكتشف "أن للمهن أوطانا ملائمة" وأن هذه المهنة تناسبها الطبيعة البكر والفضاء المفتوح في الريف والصحراء لا المدن التي تجعل تشوه هذه المهنة وتجعلها "بلا قلب أو أخلاق".
وتبدو الرواية رغم صغر حجمها مسرحا كبيرا لكائنات وحيدة من البشر والحيوان والجماد.. ففي الحديقة مقعد خشبي واحد خال دائما ولا يعطيه رواد الحديقة -وهم في الغالب أسرة أو اثنتان فقط- اهتماما بالنظر أو الجلوس حتى تشققت ألواحه الخشبية وبدا "كمقعد عجوز في طريقه للموت".
والبطل متمرد وقدري في الوقت نفسه إذ يجمع "حياتي كلها في مكان واحد" وهي الأحجار والكتب واللوحات والموسيقى والسرير ليسهل عليه التنقل ولكنه لا يملك اليقين ولا الجسارة على اتخاذ قرار فيقول "أنتظر شيئا لا أعرفه" كالسفر إلى مكان جديد أو اكتساب مهنة جديدة ولا يقدم على خطوة للأمام ولو باقتحام الحديقة ليلا والتمدد على مقعدها الوحيد ولهذا تظل حياته رتيبة ولو تحايل على هذا السكون بقوله "أصمت لكي أسمع العالم".
وتبدأ الرواية بتلقي البطل مكالمة من سيرين تذكره بموعد لقائهما في العاشرة من صباح الغد وتنتهي بتلقيه مكالمة منها بعد 24 ساعة لتذكره بالموعد فيبدأ بممارسة "لعبة المرآة" ويكلم نفسه وثم يردد أغنية سيد درويش "الحلوة دي قامت تعجن في الفجرية" ويعلو صوته تدريجيا ويتأكد له أنه استعد تماما للقاء سيرين. رويترز