إسرائيل إذ تُعلي حاجبها على عيون العرب!
د.حسام العتوم
08-06-2013 08:46 PM
الغريب في إسرائيل سارقة التاريخ والحاضر والمستقبل، وهي التي التفت بالأمس المعاصر القريب على الأمم المتحدة عام 1947 وحصدت لنفسها على كيان سرعان ما تحول لدولة عام 1948، وهي التي أقامت لنفسها علاقات مثلية مع أمريكا لتساعدها في بناء ترسانتها النووية العسكرية وغير التقليدية الأخرى إلى جانب سلاح تقليدي متطور ومتفوق مع نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 (حسب الخبير الإسرائيلي موردخاي فعنونو) الذي كشف أسرارها الخطيرة لصحيفة صنداي تايمز البريطانية عام 1986م، وهي التي أسست لنفسها مؤسسة صهيونية تحت اسم (الايباك) عام 1955 لتقود أمريكا نفسها ولتخترق أهم غرف قيادات العالم، وهي أي إسرائيل التي تعتبرها أمريكا وفقاً لتصريح الرئيس أوباما الأخير من هذا العام 2013 في تل أبيب بأنها أقوى دولة في الشرق الأوسط مثلما هي أمريكا أقوى دولة في العالم لا تعترف بأن القوة هي مستوى ديمقراطي وأخلاقي وتاريخي وديني وسياسي منصف يعترف بحقوق الآخر الفلسطيني والعربي المسلم والمسيحي بعيداً عن التفسيرات التي ترتكز على أقاويل توراتية مزوّرة.
إن أكبر هدية يقدمها العرب من الجانب السياسي الآن لإسرائيل ولم تفهمها ولا تريد أن تفهمها هي الاعتراف بحدود الـ 1948 دولة إسرائيلية قائمة عاصمتها تل أبيب مع ضم للقدس الغربية، وهي التي ترجمتها إلى العبرية بضرورة اعتبار دولتها للأسف خالية من المواطنين العرب الأصليين والذين هم أهل فلسطين التاريخية بالطبع بكامل جذورهم التي تمتد إلى ما قبل التاريخ بآلاف السنين، بينما اليهود جاءوا راحلين إلى فلسطين بحراً ثم جواً حتى أن قادتهم تعود أصولهم لبلدان آسيوية وأوروبية وأمريكية وأفريقية متشبعة، وأكبر نصيحة في التاريخ قدمها لهم الزعيم السوفييتي الجورجي الأصل جوزيف ستالين عام 1950 عندما نصحهم بالرحيل إلى إقليم (الكريم) بأوكرانيا والعزوف عن الترحال إلى فلسطين أرض العرب التاريخية، وبعدها نجد أن مصطلح الباحث الألماني فيلهم مار (اللاسامية) أو معاداة السامية أو معاداة اليهود في القرن التاسع عشر في أوروبا الوسطى وبعد ذلك حوله اليهود أنفسهم بمعاداة العرب عن طريق التخطيط والمناداة بتهجيرهم من دارتهم الفلسطينية تجاه بلاد العرب والعالم؛ يقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية في دائرة المطبوعات والنشر في الأردن السيد تيسير المشاقبة في كتابه (إسرائيل: إشكالية الدولة والأرض والوجود، ص 23: "إن إصرار نتنياهو على أن إسرائيل دولة الشعب اليهودي، أو وطن الشعب اليهودي يكشف أن الاعتراف بيهودية (دولة إسرائيل) ليس مجرد اعتراف بهويتها اليهودية، وإنما يمس الأرض ذاته، بمعنى أنها حق للشعب اليهودي وملك له، ولا ينازعه في ذلك الفلسطينيون والعرب والمسلمون، وبهذا تصبح أرض إسرائيل إلغاء لفلسطين ولأرض فلسطين، ولحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية ").
تمادت إسرائيل أكثر عندما قررت احتلال فلسطين المعاصرة عام 1976 وضم القدس الشرقية إليها ونشر المستوطنات فيها، ورغم خروجها الصحيح من غزة عام 2005 إلا أنها هدفت إلى ترسيخ الانقسام الفلسطيني بين لونين سياسيين هما فتح وحماس، من حيث ندري أو لا ندري، وهكذا فعلت عام 1979، عندما خرجت طواعية من سيناء وبعدها من جنوب لبنان عام 1982 ليس من أجل سواد عيون العرب ولكن لإخراجهم من دائرة الصراع معها والانفراد بهم لاحقاً وبشكل متكرر ولكما سنحت الفرصة بذلك؛ يقول إدوارد سعيد في كتابه (أسرار مكشوفة: ص 13) "من وجهة نظري، فإن معنى الانتصار السياسي لنتنياهو فيما يتعلق بالاستراتيجيات الإسرائيلية، محدود للغاية، فالخطط الإسرائيلية بعيدة المدى يقررها جنرالات الجيش، وكبار رجال الاستخبارات وكبار المسؤولين، ونادراً ما ترسم الحكومة ورئيس الوزراء سياسة الدولة.
تتطاول إسرائيل أكثر وأيضاً عندما نراها تزج أنفها في ربيع عربي بدأ إصلاحياً وتحول إلى دموي وكان الأجدر به أن يبدأ من عمق فلسطين غرب القدس وشرقها لطرد المحتل الإسرائيلي الرافض للسلام العادل والشامل والمشجع من حيث لا يدري لحركات التحرر حتى تواصل نهج المقاومة ضده وهو المطلوب اليوم لإخلاء المستوطنات وتثبيت حق العودة والتعويض وللمحافظة على الوجود العربي على كامل التراب الفلسطيني، وقد يكون (الفيتو) الصدر عن مجلس الأمن هو مفتاح الحل لكي تعود أراضي العرب إلى أهلها، وفي الشأن السوري الذي بدأ ربيعه عام 2000 عن طريق التجمعات والمنتديات التي قُمعت أمنياً كما يقول د. حماد واكيم في كتابه (صراع القوى الكبرى على سوريا: ص 203) تسمح إسرائيل لنفسها بالتطاول كلما رصدت صاروخاً يتحرك على أرض سوريا عبر الأقمار الصناعية، وتعمل بنفس الوقت سراً على تحريك نيران الربيع السوري من الخارج عبر التلويح بورقة الناتو ومن الداخل من خلال إذكاء ألسنة دخان الطابور الخامس الراديكالي الديني المتطرف الغازي لسوريا الوطن قبل الدولة والنظام من الخارج، ومشروع تدمير سوريا اليوم والشروع بتقسيمها إلى دويلات يصب في المصلحة الإسرائيلية أولاً خاصة بعدما اختلطت ألوان المعارضة وعجزت التوحد وأصبح الاتفاق على جدول أعمال جنيف 2 ضرب في سراب وسحر قادم، والأصل أن تصمت إسرائيل حتى نسمع صوت السلام، وفي فضاء الاشتباك السوري نقرأ منافسة قطرية لروسيا على تصدير الغاز إلى أوروبا عبر حمص، وسبق لها أن عرضت على دمشق كما يقول إعلامي عربي مطّلع -اعتذر عن ذكر اسمه - 14 مليار دولار لكن الأخيرة رفضت العرض، ونلاحظ تشدد روسي على تطبيق القانون الدولي وعدم السماح بالغزو الخارجي على طريقة العراق وليبيا وفتح للطريق أمام صندوق الاقتراع الرئاسي السوري لكي يحدد ملامح مستقبل الدولة السورية دون شروط مسبقة، ويقابل هذه المعادلة الروسية إن صح التعبير مشروع أمريكا يغلق الطريق أمام ترشح الرئيس الأسد عام 2014 انسجاماً مع بعض صفوف المعارضة الوطنية السورية بجناحها السياسي وإقناع الحزب الحاكم البعثي في سوريا لإشراك المعارضة الوطنية في الحكم، لكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه الآن هو ما هو مصير ومستقبل المعارضة الراديكالية المتطرفة مثل (جبهة النصرة والشورى وغيرها ذات الأصول السلفية) التي قدمت إلى سوريا على شكل مجاهدين من الخارج وتلاحمت في حربها ضد سلطة دمشق مع تنظيم القاعدة الأخطر وسط خارطة الشرق الأوسط والعالم؟ وإذا كانت التجربتين العراقية والليبية لم تثبتا صعودها إلى السلطة هناك لكن لوناً شيعياً صعد في بغداد وآخر إخواني في ليبيا وثالث إخواني أيضاً في مصر والأمن أصبح من حسابات الماضي وعمت الفوضى وعم الخراب وسط العرب، بينما هي إسرائيل دولة آمنة مدللة عالمياً رغم شعورها الدائم بالخوف والرعب من المجهول القادم فإلى أين نحن نسير؟
جهات عديدة مثل روسيا والصين وإيران وحزب الله تحذر من رهيب سقوط نظام الأسد عسكرياً، وهو الذي أصبح صعباً الآن بعد الإعلان عن السلاح الروسي c300 الثقيل القادم إلى سوريا، وبعد تدخل حزب الله في مدينة (القصير) دفاعاً عن دمشق وبيروت وعن سلاحه وفي ظل تفكك المعارضة واسوداد صورة المقاتلين القادمين من الخارج بعد إظهار صور القتل وهتافات الله أكبر بعد الاعتداء على المقتولين بأكل أعضائهم البشرية، وبعد تنفيذ أحكام الإعدام ميدانياً بالجنود السوريين المدافعين عن أمن بلدهم، وانقسام في الصف العربي حول قطبي قطر من جهة والسعودية ومصر من جهة أخرى زاد الطين بلة ولا مفر من إعادة توحيد الصفوف العربية والدولية لإنقاذ سوريا الوطن والدولة والشعب وليعم الاستقرار والسلام في حلة جديدة، ومجرد وصول سلاح الباتريوت الأمريكي الدفاعي للأردن يجب أن لا يعطى أكثر من حجمه، والأردن لا يخطط لغزو سوريا الشقيقة لا سمح الله كما فعلت هي في سبعينات القرن الماضي معه، وإنما من حقه أن يدافع عن نفسه وسط احتمالات الاهتزاز السياسي والعسكري في المنطقة ذو العلاقة بالسلاح الكيماوي المقابل، ومطلوب من إسرائيل رأس أفعى مشاكل الشرق الأوسط أن تحترم دور الأردن في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية حسب الاتفاقات التاريخية والمعاصرة ومنها معاهدة السلام الموقعة عام 1994.