تقرير هيومن رايتس ووتش .. وحق التظاهر
31-12-2007 02:00 AM
قبل حوالي الاسبوعين ، عقد مندوبون عن منظمة مراقبة حقوق الانسان ، موتمرا صحفيا في عمان ، تناولوا فيه بعض ما ورد في تقرير للمنظمة الدولية ، اعده الباحث في حقوق الانسان كريستوف ويلكه ، ويحمل عنوان " اقصاء المنتقدين " ، ويدور حول مخالفات لحقوق الانسان في الاردن .عند متابعة مثل هذه النشاطات التي اعتبرها انسانية ، لانها تهتم بحقوق الانسان ، فتسعى من خلال تقاريرها حول هذا الموضوع ، ان تسلط الضوء على معاناة الشعوب في مختلف دول العالم ، سواء التي ما زالت مضطهدة ، او ما زالت ديمقراطيتها منقوصة ، يشعر الانسان باهمية قيمته الانسانية وبالاطمئنان الى مستقبل حقوقه ، ما دام هناك هيئات دولية تتابع حقوقه اينما كان ، سواء حقوق مواطنته في وطنه ، او حقوقه الانسانية في ظروف الاحتلال او اي ظروف تنتهك فيها مثل هذه الحقوق ، وبالتاكيد فان نشاطات هذه المنظمات الدولية تبعث على الاحترام الشديد للقائمين عليها ولنبل غاياتهم ، فلا يمكن للانسان السوي الا ان يكون انسانا حرا ، محبا للحرية له وللاخرين ، وطامحا ان تعم الحرية جميع اصقاع الارض .
لقد كانت غالبية النقاط الواردة في التقرير ، تغطي قضايا تهم الحريات في بلد يسير على طريق تعزيز الديمقراطية ، التي قارب عمرها العقدين من الزمن ، مثل قضايا الاجتماعات العامة ومؤسسات المجتمع المدني ، وغيرها من القضايا التي وقع الاردن على مواثيقها الدولية ، والتي كما قيل في المؤتمر الصحفي لم يلتزم بتنفيذها .
لقد كان كل ما ذكر امورا طبيعية في شرائع حقوق الانسان ، وانا شخصيا اتعاطف مع جميع القضايا التي تهم هذه الحقوق ، ولا تسعى للانتقاص منها تحت اي ذريعة ، ما دامت هذه الحقوق حقوقا ، لكن ما لفت انتباهي واستوقفني كثيرا نقطتين وردتا في التقرير .
النقطة الاولى هي ما ورد حول "فضفاضية" حق الاجتماع في القانون الاردني ، والتي كما ذكر انها تصل الى درجة اعتبار اي اجتماع بين شخصين حتى لو كان الاجتماع في منزل او مكتب خاص ، يلزم المنظمين له بالحصول على أذن مسبق من المحافظين ، وهذه العبارة لم ولن استطيع تصديقها ، واعتقد انها معلومة تنقصها الدقة ، او تلزمها اعادة صياغة حتى تكون واقعية ، فانا ابن الاردن واعيش فيه ، ولا اعتقد انه لو اراد المعارض الاردني المعروف ليث شبيلات ، ان يجتمع في مكتبه او في منزله مع أي معارض آخر فانه يحتاج الى أذن مسبق من الحاكم الاداري .
اما النقطة الثانية التي لفتت انتباهي هو حق التظاهر ، حيث اشار التقرير الى رفض الحكومة طلبات كثيرة لتنظيم تظاهرات ، فاثار ذلك استغرابي فعلا ، فرغم كل التظاهرات التي شهدها بلدنا في مختلف المناسبات والاحداث ، والتي سجلت ارقاما قياسية في مراحل معينة ، فقد كان هناك مظاهرات اخرى رفضت طلباتها ولم تتم ، وتخيلت كم سيكون حجم التظاهرات لو صرح بها جميعا ؟ فرغم انني من محبي الحرية بمختلف اشكال ممارستها ومن اشد انصارها ، لما تمنحه للحياة من جمال وللانسان من احساس بقيمته الانسانية وبكرامته ، الا انني امتعض من كثير من المظاهرات التي شهدت العديد منها في بلدنا ، وبخاصة ذات الصبغة السياسية منها ، بحيث انها لم تعد تستهويني كممارسة ديمقراطية ، ولا تتلائم مع قناعاتي ، وبالتاكيد فان لكل امر سببا .
لعل التظاهر هو اقل النشاطات خطورة لانه مكشوف وواضح ، فالاجتماعات والتنظيمات السرية قد تكون الاخطر على الامن ، لكن التظاهر هو الممارسة الاكثر عرضة للغوغائية ، فقد تؤجج العواطف في حالات معينة ، خاصة اننا شعب عاطفي ، لا يستطيع الكثير منا ضبط انفعالاته ضمن أطر الاخلاق العامة ، مما ينتج ممارسات مؤذية للاخرين ممن لا علاقة لهم بموضوع التظاهر، ومسيئة للحرية نفسها ، والتي هي الغطاء القانوني لممارسة التظاهر ، فالجميع يعلم القاعدة التي تقول ، بان حرية الانسان تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين .
هناك الكثير من السلبيات التي نلحظها في المظاهرات ، وبخاصة ذات الدوافع السياسية ، ولعل اولها هو عدم نجاعة المظاهرات ، كاسلوب للرد على احداث جسام يمر بها الوطن او تمر بها الامة ، فجميعنا يعلم تفاصيل ما يجري فيها ، من تعطيل للحياة العامة ، واغلاق الشوارع ، واطلاق الهتافات ، ورفع اليافطات ، والقاء الكلمات التي تؤكد على رفض امر ما والاحتجاج عليه واستنكاره ، ثم يعود كل واحد الى منزله ، يبحث عن وجبة غداء دسمة ، لينام القيلولة ، ثم يمني نفسه برؤية صوره في التلفزيون او الصحف وهو يسير في المظاهرة ، او للتاكيد على بلاغته وجهورية صوته وهو يلقي كلمته الحماسية الانفعالية ، ويستمر الحدث الذي من اجله انطلقت المظاهرة ، دون ادنى التفاتة الى ما طالب به المتظاهرون ، وما صرح به الخطباء ، فهي بالنتيجة ليست اسلوبا فعالا للرد على اعداء الوطن والامة ، هذا اذا لم يرافق التظاهرة رشق بالحجارة وتحطيم للسيارات وواجهات المحلات ، واثارة النعرات المختلفة ، وكل هذا ينعكس سلبا وضررا على مكان انطلاق المظاهرة ، ولا يمس شعرة من رؤوس الاعداء في الخارج ، هذا اذا افترضنا ان جميع المشاركين في التظاهرة هم ممن يحملون الهم الوطني والقومي ، ولم يشارك بعضهم كرفع للعتب وبدون قناعة باسلوب التظاهر ، و البعض الاخر لم يشارك بدافع الفضول او تمضية الوقت لا اكثر .
التظاهر واقامة المسيرات هي ممارسات حضارية ، تتم بطريقة سلمية للتعبير عن موقف معين ، يراد نقله لاصحاب القرار او الراي العام المحلي او الدولي ، وهو بالاساس لمصلحة فئات شعبية معينة او لمصلحة الشعب ككل ، ولا يجوز ان تتحول هذه المسيرات واهدافها النبيلة ، الى وسيلة لايذاء الاخرين ، ماديا او معنويا .
m_nasrawin@yahoo.com